لندن - إلياس نصرالله
أحدث إعلان البابا بنديكتوس السادس عشر، زعيم الكنيسة الكاثوليكية، أمس، نيته التنحي عن كرسي البابوية في نهاية فبراير الجاري، بعد 7 سنوات من وصوله إليه، ضجة عارمة في الأوساط الدينية والسياسية في أوروبا والعالم على حدٍ سواء، نظرا للدور الذي تلعبه الكنيسة في البلدان ذات الغالبية السكانية من الكاثوليك وغيرها من البلدان التي تعاني من صراعات سياسية على أساس ديني أو طائفي.
ويفتح تنحي بنديكتوس السادس عشر الصراع من جديد على المنصب بين الأجنحة المختلفة داخل الكنيسة التي لم تعد خافية على أحد وتتردد أصداؤها في وسائل الإعلام.
فبنديكتوس السادس عشر الذي قال انه يتنحى لأسباب صحية، بعدما أصبح غير قادر على ممارسة مهام منصبه المهم بسبب تدهور قدرته البدنية، محسوب على الجناح المحافظ داخل الكنيسة الكاثوليكية المتمسك بقوانين وأنظمة الكنيسة التي يعود تاريخها إلى ألفي عام تقريباً والرافض للإصلاحات التي تنادي بها أوساط كاثوليكية واسعة ورغبتها في تعديل بعض قوانين الكنيسة، لكي تصبح ملائمة لروح العصر ومنسجمة مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على البشرية مع مرّ السنين.
لكن إلى جانب الصراعات الداخلية ودعوات التحديث وهي في مجملها ذات طابع روحي وديني، تتعرض الكنيسة الكاثوليكية لضغوط خارجية شديدة ذات طابع سياسي تسعى لجر أكبر كنيسة مسيحية في العالم إلى تحالفات سياسية مع هذا الطرف السياسي أو ذاك وإشراكها في مخططات دولية تقوم على أساس مصالح تجارية لا علاقة لها بالدين، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ما يجعل من دور البابا، كزعيم أوحد لهذه الكنيسة، مرهقاً للغاية بسبب سعيه الدائم من أجل الحفاظ على التوازن والامتناع عن الوقوع في المصائد التي من شأن وقوعه فيها أن يلحق الضرر بالكنيسة وأتباعها. لذلك فلا عجب أن يُعلن بنديكتوس السادس عشر عن تنحيه.
فبنديكتوس السادس عشر هو أول بابا من باباوات الفاتيكان يتنحى عن منصبه منذ تنحي البابا غيريغوري الثاني عشر عن الكرسي العام 1415. فباباوات روما عادة يتربعون على الكرسي البابوي مدى الحياة تماماً مثلما شاهدنا في السنوات الخمسين الأخيرة التي توالى على الكرسي البابوي فيها خمسة باباوات وتربعوا فوقه الى يوم وفاتهم. وحاول بعض المحللين أمس إجراء مقارنة بين تنحي بنديكتوس السادس عشر وغيريغوري الثاني عشر، إذ ان الأخير تنحى نتيجة ضغوط لإعادة توحيد الكنيسة في القرن الخامس عشر التي شهدت صراعاً على الكرسي البابوي بين روما وأفنيون في فرنسا وردّ الاعتبار لروما، حيث تنطوي المقارنة على إشارة إلى الصراعات الداخلية الحامية داخل الكنيسة الكاثوليكية حالياً بين المحافظين والإصلاحيين.
فالإصلاحيون يرفعون مطالب عدة أبرزها تخفيف القيود التي تُحرِّم زواج رجال الدين، والمساواة بين المرأة والرجل وإتاحة الفرصة أمام النساء لتولي مناصب كهنوتية في الكنيسة. وهما أهم مطلبين لدى الإصلاحيين الذين يشيرون إلى أن الضجة العالمية التي تثار حول سلوك رجال الدين الكاثوليك وفضائحهم الأخلاقية نابعة في الأساس من منع رجال الدين من الزواج، الأمر الذي يدفعهم إلى تصرفات مخلة بالآداب والاعتداءات الجنسية المتكررة على أبناء الرعية من الجنسين، فيما يرى الجناح المحافظ بأن الحملة الإعلامية الواسعة التي تتحدث عن فضائح رجال الدين هي بالأساس حملة سياسية يقف وراءها اللوبي الصهيوني العالمي الذي لا يكف عن الضغط على الفاتيكان من أجل تقديم تنازلات سياسية لإسرائيل والاعتراف باحتلالها للأراضي الفلسطينية وضمها مدينة القدس إلى إسرائيل وجعلها عاصمة لها. وهو ما رفضه الفاتيكان بإصرار حتى الآن. إلى جانب الضغط الذي يواجهه الفاتيكان من الدوائر السياسية الغربية للزج به في الحملة ضد الإسلام والمسلمين تحت ستار محاربة التطرف والأصولية. حيث نجح الفاتيكان حتى الآن في النأي بنفسه عن هذه الحملات.
ويُحيي تنحي بنديكتوس السادس عشر صراعا قديما داخل الكنيسة الكاثوليكية على الكرسي البابوي، حيث تطالب الكنائس الكاثوليكية في القارة الأفريقية بأن تتاح لها الفرصة بأن يتولى الكرسي أحد الكرادلة الأفريقيين. وشهدت حملة انتخاب بنديكتوس السادس عشر، وهو ألماني الجنسية واسمه في الأصل جوزيف راتزينغر، منافسة شديدة بينه وبين الكاردينال الغاني بيتر كودو أبايا تركسون، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس السلام البابوي. ويرى المراقبون السياسيون أن تركسون سيكون المرشح الأوفر حظاً في خلافة بنديكتوس السادس عشر.
فالأفارقة الكاثوليك يرون أنه بعد انتخاب باراك أوباماً، ذي الأصل الأفريقي، رئيساً للولايات المتحدة مرتين متتاليتين، لم يعُد هناك عذر أمام الكنيسة الكاثوليكية لرفض انتخاب كاردينال أفريقي لتولي منصب بابا الفاتيكان.
التعليقات