عبدالله إسكندر
يتنافس، في المشهد السياسي المصري، مأزق الحكم laquo;الإخوانيraquo; مع طرافة القوى المناصرة له. وفي هذا التنافس تتجلى جذور الأزمة.
فالرئيس منتخب من الشعب، ومن المفترض أن يكون رئيساً للجميع وفوق الجميع ومستمعاً إلى الجميع ومراعياً الحد المشترك من المصالح والمطالب التي ينادي بها الجميع. لكنه، في الواقع، استهلك سريعاً هذا التفويض الشعبي وليعود كممثل لجماعته laquo;الإخوان المسلمينraquo;، وليصبح معبّراً عن هذا الفصيل، تحت راية المرشد ومجلسه.
وإضافة إلى التجربة المتكررة، منذ الانتخاب الرئاسي، يتجلى هذا الواقع مرة أخرى، في موقف laquo;الإخوانraquo; من الحوار مع القوى المعارضة ومن التمسك بحكومة فاشلة على كل المستويات. وفي الحالين يفترض laquo;الإخوانraquo; أن أي حوار خارج أجندتهم يعني أن عليهم تقديم تنازلات في السلطة لفئات أخرى، وأن أي تغيير وزاري يعني التضحية ببعض الحقائب، خصوصاً تلك التي يشغلها laquo;إخوانيونraquo; فشلوا فشلاً ذريعاً بإدارة وزاراتهم.
وفي هذا المعنى، يتعسف laquo;الإخوانraquo; بتفسير الاقتراع الشعبي على نحو يعطون لأنفسهم الحق باستئثار السلطة كلها ومنعها، في أي شكل، عن الآخرين، مهما كان حجمهم التمثيلي الشعبي ومهما كان مدى الأحقية في مطالبهم. وهذا ما انعكس خلال التظاهرات الشعبية حيث يعتبر laquo;الإخوانيونraquo; أنهم يدافعون عن تنظيمهم في الشارع، مع ما رافق ذلك من عنف ميداني، يُضاف إلى العنف السياسي التي تعتبره الجماعة وسيلتها للاستمرار منفردة بالسلطة.
ويبدو أن laquo;الإخوانraquo;، اتباعاً لتقليد قديم لديهم، يعتبرون أن الإكثار من الشكوى واتهام الآخرين يكفيان لتبرئة الذات ولاستقطاب جمهور يتعاطف مع المظلوم. فراحت أدواتهم الإعلامية تنهال على المعارضة والمتظاهرين باستخدام العنف من أجل تغيير laquo;ما أفرزته صناديق الاقتراعraquo;.
وهنا يقترن النفاق السياسي بطرافة، وإن كانت بطعم مر. إذ يخرج laquo;سلفيوraquo; الجماعة في تظاهرة تأييد للرئيس ولمناهضة العنف. لكن الطبع يغلب التطبع، فيرفعون صور عمر عبد الرحمن المروج الأول للعنف في مصر والذي أصدر الفتاوى بإهدار الدم والسلب والاعتداء على الأقباط والمدان في أميركا بتهم إرهابية، وصور أسامة بن لادن الذي جعل العنف مؤسسة عالمية، استناداً إلى فتاوى الأول.
لربما أراد هؤلاء laquo;السلفيونraquo; أن يقنعوا الآخرين بأنهم ينبذون العنف والإرهاب، فلم يجدوا سوى عبد الرحمن وبن لادن كمرجعية. ولتتحول تظاهرة laquo;السلفيينraquo; لرفض عنف المعارضة المصرية، التي تمارس حقها في التعبير عن الرأي بعدما استأثر laquo;الإخوانraquo; بمواقع القرار وبعدما رفضوا كل حوار جدي، ترويجاً لأكثر أنواع العنف الذي شهدته منطقتنا في العقود الأخيرة.
وكان يمكن لهؤلاء laquo;السلفيينraquo; أن يكتسبوا حداً من الصدقية، سواء في laquo;مراجعاتهمraquo; النظرية أو في انخراطهم في العمل السياسي السلمي وتخليهم عن العنف والإرهاب، لو أنهم رفعوا صوراً لمهاتما غاندي أو نيلسون مانديلا. لكن العودة إلى مرجعية العنف، عبر عبد الرحمن وبن لادن، تعني أنهم يبررون لأنفسهم استخدام العنف القاتل في حين يمنعون الآخرين حتى من التعبير السلمي.
قد يتذرع laquo;الإخوانraquo; بأنهم غير مسؤولين عن نشاط laquo;السلفيينraquo;، لكن هذه الذريعة تسقط لأسباب تاريخية تتعلق بالقرابة الأيديولوجية بين الأصل والفرع، ولأسباب موضوعية تتعلق بقرار الجماعة، عبر الرئيس، إطلاق سراح laquo;الجهاديينraquo; الذين يقضون أحكاماً بالسجن لأعمال عنف يفخرون بارتكابها.
التعليقات