استمرار الاسد في السلطة قد يدفع اوباما لاعادة النظر بتسليح المعارضة.. والقرار متعلق بزيادة الثقة بالنفس وتطور الوضع

لندن ـ ابراهيم درويش

جاء قرار وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي بتجديد حظر تصدير السلاح لسورية، وفتح الباب امام ارسال مواد غير فتاكة للمعارضة، هزيمة للجهود البريطانية التي كانت تأمل باقناع الدول الغربية بفتح المجال ونقل السلاح للجماعات المعتدلة في الانتفاضة السورية.
ويعكس الخلاف داخل الاتحاد الاوروبي والنقاش في داخل الادارة الامريكية بعد رفض باراك اوباما العام اقتراحا من اربعة من كبار المسؤولين في ادارته لتسليح جماعات المعارضة، الصعوبة التي يواجهها الغرب في التعامل مع الازمة السورية التي قتل فيها حتى الآن 70 الف شخص.
ويطرح هنا سؤال حول موقف اوباما في ولايته الثانية وان كان سيعيد النظر في الملف الموضوع على الرف، في ظل استمرار الاسد في الحكم. ام هل سيظل الملف الذي وضع على الرف؟ ووجه السؤال ان بقاء الاسد في السلطة يعني عدم نجاعة الاستراتيجية الامريكية في دعم المعارضة بمعدات غير قتالية وتوفير الدعم الانساني للمشردين في داخل وخارج سورية، حيث وصل الدعم الامريكي للاغراض الانسانية 365 مليون دولار امريكي. ووجه العودة للملف ان اوباما لم يعد لديه خيارات لاجبار الاسد على الرحيل عن السلطة.
وفي هذا السياق لا يستبعد مسؤولون ان يعيد الرئيس النظر في موقفه السابق ويقرر تسليح مجموعات مختارة من الجماعات السورية لكسر الجمود على الساحة السورية. وقال مسؤول لصحيفة 'نيويورك تايمز' ان الموضوع لم يغلق، مؤكدا انه مع تطور الوضع وزيادة الثقة لدى الادارة فهناك امكانية للعودة للملف. ويقول المسؤولون ان الرئيس الامريكي رفض الخطة التي قدمها اليه مدير الاستخبارات السابق ديفيد بترايوس، قبل الانتخابات الرئاسية لخشيته من انجرار الولايات المتحدة لحرب بالوكالة ولوقوع السلاح الامريكي في يد جماعات متطرفة، بحيث ستستخدم ضد المصالح الامريكية والاسرائيلية. مع ان الخطة لقيت دعما من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية، ومن وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الاركان المشتركة مارتن ديمبسي. ولوحظ ان الرئيس اوباما في خطاب الاتحاد الاسبوع الماضي لم يكرر ما قاله في السابق من ايام الاسد اصبحت معدودة، ولم يقدم اي جديد فيما يتعلق بالاستراتيجية، في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الاسد اصدار تصريحاته بانه سينتصر وان حكومته ستهزم في النهاية الارهابيين.

تفكك لا انتقال

ويحذر الخبراء من ان رحيل الاسد لن يكون نهاية الحرب لان سورية قد تفكك بناء على الخطوط العرقية والطائفية، حيث نقلت عن بول سالم المحلل اللبناني قوله ان سورية ليست في مرحلة انتقالية بل في الطريق للتفكك. وقدمت الخارجية الامريكية للمعارضة السورية مساعدات بقيمة 50 مليون دولار على شكل اجهزة غير قتالية، هواتف دولية، وكمبيوترات، واجهزة اتصالات، واجهزة للنجاة وكيفية استخدامها، وحسنت الاجهزة طريقة التواصل بين الفصائل المعارضة على الرغم من الجهود الكبيرة التي قامت بها الحكومة السورية لاختراق شبكات الاتصال للمعارضة باستخدام اجهزة ايرانية.
وستطلق في الايام القادمة شبكة اذاعة على تردد متوسط لربط عمليات البث في عدد من المدن السورية، كما ساعدت الخارجية بتدريب عدد من اعضاء المجالس المحلية التي وقعت تحت سيطرة قوات المعارضة. ولان الخارجية الامريكية تعاملت مع فصائل المعارضة السياسية وفي الخارج ولم تقدم الاجهزة للجماعات القتالية فان اثر امريكا على الداخل قليل وقدرتها على التأثير على الجماعات التي ستقود سورية فيما بعد الاسد محدودة. وتقول الصحيفة انه في الوقت الذي ركزت فيه الادارة على مخاطر تسليح المعارضة فان دولا اخرى لم تلتفت لهذه الامور، فقد استمرت روسيا بتزويد النظام بالسلاح، فيما واصلت ايران ارسالها مستشارين من لواء القدس، وحزب الله ارسل ميليشيات لدعم النظام، وتتلقى جماعات مقاتلة موالية للقاعدة دعما ماليا وعسكريا من دول في المنطقة. وكانت خطة بترايوس تقوم على تدريب وخلق جماعات موالية لامريكا في سورية ما بعد الاسد.

تجربة العراق وغضب كلينتون

وتقول الصحيفة ان بترايوس اندفع في خطته من تجربته في العراق حيث اعتقد ان المقاتلين الذين يدخلون العراق عبر سورية قد يرفعون يوما اسلحتهم ضد الاسد، اما كلينتون فقد وقعت على الخطة بسبب احباطها من الروس الذين لم يدعموا خطة الانتقال في السلطة التي قدمتها في اجتماع جنيف في حزيران (يونيو) العام الماضي. اما بانيتا فرأى في الخطة فرصة للتأثير داخل سورية دون ارسال قوات الى هناك، فيما اعتبر ديمبسي الخطة وسيلة لوضع حد للحرب قبل تنهار سورية بحيث لا يتبقى شيء للذي سيرث الاسد. وقال ديمبسي لصحافيين في طريقه لكابول انه اعتقد 'اذا كانت هناك طريقة لحل الوضع العسكري بسرعة فلن يستفيد منها السوريون فقط بل ونحن'. وفي المقابل كان الرئيس الامريكي يخشى من ان تنجر الولايات المتحدة الى حرب بالوكالة وبدون نتائج واضحة تضع امريكا امام كل من روسيا وايران، وقد عبر عن نفس الموقف كل من نائبه جوزيف بايدين ومستشاره لشؤون الامن القومي توماس دونيلون.

روسيا

روسيا تواصل دعمها للنظام السوري بالسلاح، ولهذا اتهم دبلوماسيون اوروبيون موسكو بنكثها وعدها والتوقف عن تصدير الاسلحة للنظام السوري. ويقول الدبلوماسيون ان روسيا قدمت تأكيدات لمسؤولين بريطانيين قبل شهر في اشارة فهمها محاولة لابعاد روسيا عن الاسد والعصبة الحاكمة في سورية. وعلى الرغم من ذلك ظلت الاسلحة تتدفق لسورية، حيث اكدت موسكو انه لا يوجد هناك قرار من الامم المتحدة يحظر تصدير الاسلحة وان روسيا تقوم بالوفاء في الاتفاقات العسكرية التي عقدتها مع النظام قبل اندلاع الحرب. وترى روسيا ان من حقها مواصلة تزويد النظام بالسلاح لانه لا يوجد قرار من الامم المتحدة يحظر تصدير السلاح حيث نقل عن اناتولي ايسكين مدير الوكالة المسؤولة عن التصنيع العسكري الروسي (روسبورون اكسبورت) قوله انه في 'غياب حظر من الامم المتحدة فسنواصل الوفاء بشروط الاتفاقات، وما نقوم به هو شحن انظمة دفاع واجهزة تصليح والتي تذهب الى فروع مختلفة من الجيش'. ويقول مسؤولون امريكيون واوروبيون ان موسكو ربما تحضر الان لارسال مقاتلات من نوع (ياك- 130) والتي يمكن ان تحمل صواريخ.وتقول صحيفة 'اندبندنت' ان النظام السوري استخدم المقاتلات الحربية للقيام بغارات على مناطق مأهولة بالسكان مما ادى الى مقتل العديد من المدنيين. وكانت سورية قد عقدت مع روسيا صفقة لتزويدها بطائرات تدريبية (ياك - 130) بقيمة 550 مليون دولار والتي يمكن ان تستخدم ايضا لشن غارات حربية. وتقول الصحيفة ان سفينة روسية امن محملة بمروحيات حربية وصواريخ اجبرت على العودة الى روسيا بعد ان رفضت شركات تأمين تغطيتها، ولكن روسيا قامت لاحقا بارسالها عبر شركة نقل بحرية مختلفة. وعليه فتزويد النظام السوري بمعدات لاصلاح الانظمة الدفاعية تعني تقوية وتعزيز الدفاع الجوي السوري بشكل يجعله قادرا على مواصلة هجماته وهو عامل مهم في عدم قيام الغرب بدعم اقامة منطقة حظر جوي. وبحسب المسؤولين الغربيين فقد رفضت موسكو تقديم تفاصيل كاملة عن تعهداتها التي يجب ان تفي بها، وان هناك ادلة تشير الى حصول النظام السوري على اسلحة روسية عبر طرف ثالث.

كارثة وعدم وضوح

ويقول نقاد الاقتراح البريطاني لتسليح المعارضة انه صورة عن عدم وضوح الموقف الغربي، فالمبادرة التي قدمها ويليام هيغ لقي معارضة منذ البداية من المجموعة الاسكندنافية والمانيا ومسؤولة العلاقات الخارجية كاثرين اشتون، وعلق وزير خارجية اللوكسمبرغ جين اسيلبورن انه لا يوجد نقص في السلاح داخل سورية. ولم يظهر الفرنسيون اي حماس للاقتراح بسبب عملياتهم العسكرية في مالي، ولهذا عبرت الحكومة الفرنسية على لسان وزير خارجيتها لوران فابيوس عن رضاها عن الاتفاق وزيادة دفعات الاجهزة غير القتالية.
ولم تفت الهزيمة البريطانية في بروكسل صحيفة'اندبندنت' التي خصصت لها افتتاحية من افتتاحيات يوم امس (19/2/2013) والتي جاء فيها ان عدم قدرة بريطانيا على اقناع دول الاتحاد الاوروبي لتزويد السلاح للجماعات الاسلامية كان فشلا منتظرا، حيث تركت بريطانيا تنشف يديها على الهامش في الوقت الذي اخذ فيه دور روسيا في تحديد مسار المفاوضات بين الطرفين يتحدد ويتأكد بشكل كبير. واشارت الى ما قاله وزير الخارجية البريطاني السابق دوغلاس هيرد ان بريطانيا تقوم بتوجيه لكمات لا توازي وزنها، انها تدعو الى حلول حاسمة لا يمكنها فرضها ولا تملك المنطق الكافي لاقناع الحلفاء لدعمها.

من يضمن المستقبل؟

وفي سياق دعوة بريطانيا لتسليح القوى العلمانية في المعارضة وترك الجماعات الجهادية امر يعبر عن سذاجة دولة لديها تجربة طويلة في الشرق الاوسط. فمتى وصل السلاح للميدان فانه سيكون بيد الجميع، ولا احد يضمن بقاء القوة التي ندعمها اليوم كما هي غدا. وتضيف ان دعم بريطانيا المبدئي للتدخل العسكري الذي دعت اليه فرنسا كحل سريع للازمة قد اضعفتها الجهود الروسية التي استطاعت اقامة علاقات مع جماعات من المعارضة بدون ان تتخلى عن دعمها للاسد، وعليه فعاجلا ام آجلا ستظهر روسيا كعراب خارجي للازمة يحظى بثقة من الطرفين.
وتختم بالقول ان ليبيا فتحت شهية فرنسا وبريطانيا لاستعراض قوتهما العسكرية، لكن مغامرة فرانسوا هولاند في مالي علمته سريعا ان رمال الصحراء قد تكون خادعة وقاتلة. وتقول ان ويليام هيغ، وزير الخارجية الذي تقدم بالطلب قد يكون مدفوعا بدوافع انسانية والتي كانت غائبة عن مواقف المحافظين اثناء الحرب في البوسنة قبل 20 عاما. وختمت بالقول ان هزيمة امس، تذكر بمحدودية الدور الذي تلعبه القوة بحل النزاعات الناجمة عن الربيع العربي والدور الصغير والنسبي الذي يمكن لبلد صغير مثل بريطانيا ان تلعبه.
نقطة سلام

في تقرير له من تل كلخ، تحدث جوناثان ستيل مراسل صحيفة 'الغارديان' عن جهود الهدنة التي نجحت في اقامة منطقة آمنة وان كانت صغيرة في سورية، والتقى ستيل مع الشيخ حبيب الذي كان يعمل في السعودية في تجارة العقارات قبل ان يعود للبلاد بعد اندلاع الانتفاضة. ويقول الشيخ حبيب واسمه محمد حبيب الفندي انه ملتح لسبب بسيط وهو عدم وجود وقت لحلق اللحية.
وانتقل مع الشيخ حبيب الذي كان وراء الهدنة بين المعارضة والنظام على الاقل في شوارع في البلدة من نقطة تفتيش يسيطر عليها الجيش الى منطقة يسيطر عليها ابو عدي، وهو قيادي للمعارضة في البلدة. ويقول ستييل انه لا ابو عدي لا رجاله يحملون السلاح، لان الاتفاق بين الطرفين ينص على عدم اظهار اي منهما سلاحه. فالمعارضة لا تحمل السلاح والجيش توقف عن قصف البلدة بالقنابل وترويع السكان.
ويقول ان اسم شيخ حبيب لا يذكر في الاعلام السوري لانه يفضل العمل بعيدا عن الاضواء، ولكنه يترأس عشيرة في الرقة على الفرات، ويلقي الخطبة بشكل منتظم. ويقول التقرير ان علاقته بالسياسة بدأت عندما شارك في عدد من الوفود التي التقت مع الرئيس الاسد، خاصة بعد اندلاع الانتفاضة عام 2011. وكان الهدف من اللقاءات الاستماع لمظالمهم واستخدام قادة المجتمع لتعزيز المصالحة وانهاء الاحتجاجات.