Reuel Marc Gerecht و Mark Dubowitz

ما لم توقف إيران مساعيها للحصول على أسلحة نووية، سنبقى أمام أمر مؤكد واحد في سياسة واشنطن تجاه الجمهورية الإسلامية: فرض عقوبات إضافية. وكلما أدت هذه التدابير الاقتصادية إلى إيذاء الإيرانيين العاديين، فهي ستصبح أكثر إثارة للجدل حتماً، لا سيما في أوروبا.
من المفيد أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على التحرك مسبقاً وإضعاف جهود إيران الرامية إلى اختلاق أزمة إنسانية مزيفة بهدف إضعاف الالتزام العالمي بالعقوبات. إن الفوز بالحرب الاقتصادية يتطلب الفوز بحرب العلاقات العامة أيضاً.
يمكن التناقش حول نسبة نجاح العقوبات التي خفّضت صادرات إيران النفطية إلى النصف في إعاقة طموحات القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي. لكن لا أهمية لهذا النقاش عموماً. يستعمل الرئيس باراك أوباما العقوبات للسبب نفسه الذي دفع الرئيس جورج بوش الابن إلى استعمالها: إنها الوسيلة غير العسكرية الوحيدة للضغط على النظام في طهران في حال خالف أي اتفاق وتهرب من جميع أنواع عمليات التفتيش.
ستزداد أهمية العقوبات بعد شن أي ضربة استباقية أميركية أو إسرائيلية على منشآت إيران النووية. بغض النظر عن الأضرار التي ستحصل، لن يرغب الأميركيون والأوروبيون في إصلاحها. لذا يبقى المسؤولون في واشنطن ملتزمين بعقوبات مشددة أكثر من أي وقت مضى.
لهذا السبب، يجب أن نقلق بعد سماع الادعاءات الأخيرة التي أطلقها النظام الإيراني والجماعات الغربية غير الحكومية وحسنة النية بأن الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة تسبب نقصاً في الأدوية والحليب البودرة وإمدادات حيوية أخرى.
نحن لا نصدق الادعاءات القائلة، إن العقوبات تهدد حياة المدنيين. يمكن أن يستعمل النظام الديني مبيعاته النفطية لاستيراد جميع المواد اللازمة لمنع أي أزمة إنسانية. ما من عقوبات على الواردات الغذائية أو الطبية إلى إيران. لا تتعلق المشاكل الطبية المتزايدة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية بالعقوبات نفسها بقدر ما تتعلق بالفساد وتفضيل النظام إنفاق الأموال على مجالات أخرى.
مع ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة صريحة ومباشرة في مقاربة ما تقوم به كي توضح بدورها الوسائل اللازمة لمنع الإيرانيين المرضى من الموت. تنوي إدارة أوباما والكونغرس جعل العقوبات خانقة بما يكفي لإجبار خامنئي على القيام بخيار حاسم (نظامه أو قنبلته) قبل أن يبلغ البرنامج النووي نقطة laquo;مفصليةraquo; حيث يصبح ممكناً تصنيع قنبلة بشكل سريع وسري.
نظراً إلى التطور النووي الذي يحرزه النظام، يجب أن تساهم العقوبات الجديدة في شل الوضع سريعاً. يذكر تقرير جديد من إعداد laquo;المشروع حول الاستراتيجية الأميركية لمنع الانتشار النووي في الشرق الأوسطraquo; تاريخاً في منتصف عام 2014 لتحديد المرحلة التي ستحصل فيها طهران على laquo;إمكانات حاسمةraquo; لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم الفاعل لتصنيع الأسلحة (أو كمية كافية من البلوتونيوم المنفصل انطلاقاً من مفاعل المياه الثقيلة في موقع آراك) من أجل تصنيع قنبلة قبل أن تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو أجهزة الاستخبارات الغربية من رصد نشاطاتها.
قد يبلغ الإيرانيون تلك المرحلة بوتيرة أسرع إذا نجحوا في تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي وصلت حديثاً إلى منشآتهم المعروفة أو إذا كثفوا عمليات إعادة معالجة البلوتونيوم. الأسوأ من ذلك هو أن أجهزة الطرد المركزي الأفضل حالاً يسهل إخفاؤها أكثر من غيرها، لأنها تتطلب منصات وسلاسل تفاعل ومختبرات أصغر حجماً.
في وجه هذا التهديد، لن يبقى أمامنا إلا سلاح أخرق بعض الشيء. ما من laquo;عقوبات ذكيةraquo; يمكن أن تعاقب النخبة الإيرانية وتتجنب عامة الشعب.

سيطرة النظام

كانت سيطرة النظام على الاقتصاد الإيراني أساس العقوبات التي شرعها أوباما في الشهر الماضي، وهي تولد إطاراً أقوى لفرض حصار تجاري فعلي على إيران بدعمٍ من الولايات المتحدة. تستهدف تلك العقوبات الشركات الأجنبية التي تتعامل مع الحرس الثوري أو الكيانات الإيرانية التي تشكل جزءاً من النظام أو تؤدي دور عملائه أو أدواته. ما لم تتمكن الشركات الأجنبية من بيع المنتجات الإنسانية أو تلقي بعض الاستثناءات المحدودة في عمليات شراء النفط، فهي ستحتاج حتماً إلى إيجاد شريك مهني laquo;نقيّraquo; من القطاع الخاص في الجمهورية الإسلامية شرط ألا يكون مرتبطاً بالحرس أو النظام. لكن في القطاعات الاستراتيجية من الاقتصاد الإيراني، هذا الأمر شبه مستحيل.
يعمد المسؤولون في واشنطن أيضاً إلى تشديد الحصار المالي من خلال استهداف احتياطي النقد الأجنبي الإيراني الذي يتم حفظه ضمن أرصدة بعملة اليورو في بنوك خارجية. يحضر الكونغرس تشريعاً يهدف إلى إقناع البنك المركزي الأوروبي بمنع وصول أي مؤسسة مالية تساعد إيران على استعمال أو تحويل أرصدتها باليورو إلى نظام الدفع المصرفي في منطقة اليورو. ما الذي ستقدمه هذه التدابير الجديدة كلها؟ على الأرجح، ستنهار العملة الإيرانية خلال 18 شهراً. في هذه الحالة، يجب أن تستعد إدارة أوباما الآن لمواجهة التداعيات الحتمية.
لم تكن إدارة بيل كلينتون مستعدة لحرب العراق. ربما كانت عقوبات الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة لتؤدي دوراً حاسماً في إقناع صدام حسين خلال التسعينيات بعدم متابعة برامجه الرامية إلى تصنيع أسلحة الدمار الشامل. لكن في حرب العلاقات العامة، أخفقت الولايات المتحدة بشكل مخيف.

الشركاء التجاريون

بدأت تنتشر انتقادات مماثلة لطريقة تعاطي واشنطن مع إيران في أوروبا وفي أوساط الجماعات الصحية العالمية. في الوقت الراهن، حتى الرئيس الفرنسي الاشتراكي، فرانسوا هولاند، يتابع دعم خيار العقوبات بشكل مثير للإعجاب. لكن إذا ألقت تلك التدابير بثقلها على الاقتصاد الإيراني وإذا حسّن النظام علاقاته العامة، قد تنتشر المشاعر المعادية للعقوبات سريعاً في ألمانيا، أبرز شريكة تجارية لإيران في أوروبا، وفي الدول الإسكندينافية حيث تطغى المخاوف الإنسانية في العادة على المصالح التجارية.
صحيح أن العقوبات الأميركية والأوروبية تستثني صراحةً السلع الغذائية، ولكنها تعقد بعض الصفقات المالية مع مصرفيين خارجيين متوترين يقدمون خدمات الرعاية الطبية إلى المستوردين الإيرانيين والموردين الغربيين. لكن إيران تملك مليارات الدولارات على شكل حسابات بالعملة المحلية في تركيا والدول الآسيوية مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية التي تستورد النفط الإيراني. لا يمكن إعادة تحويل تلك الأموال بالعملات الصعبة، لكن يمكن استعمالها لشراء جميع الإمدادات الطبية والمواد الغذائية التي يحتاج إليها الشعب الإيراني. تضم اليابان قطاعاً رفيع المستوى لتصنيع الأدوية، وتشمل الهند صناعة واسعة لإنتاج الأدوية العامة، وتصنع كوريا الجنوبية واليابان معدات طبية متطورة.
يمكن أن تستورد إيران أيضاً أدوية ومعدات غربية الصنع من دون أي ضوابط، وذلك عبر الدول التي تشمل تلك الحسابات بالعملة المحلية. لن يتطلب ذلك تحويل الأموال من بنوك خارجية إلى البنوك الإيرانية.
فيما تسعى إدارة أوباما إلى كسب قلوب وعقول الناس في وسائل الإعلام الإخبارية الغربية والناطقة باللغة الفارسية، يجب أن تركز الإدارة على فضح الفساد الإنساني الإيراني. سمح الكونغرس للبيت الأبيض بفرض العقوبات على الإيرانيين بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في حال أساءوا استعمال الأموال المخصصة للغذاء والأدوية والمعدات الطبية. طرح هذا الموضوع مشكلة شائكة في إيران. وقعت فضائح عدة كُشفت في الصحف التي تسيطر عليها الدولة، وطرد الرئيس محمود أحمدي نجاد وزير الصحة في شهر ديسمبر.
من خلال جمود المواقف في الشأن السوري وترشيح جون كيري لمنصب وزير الخارجية وتشاك هاغل لمنصب وزير الدفاع، أوضحت إدارة أوباما أنها لا تهتم كثيراً بتنفيذ تدخل عسكري جديد في الخارج. لذا من المتوقع أن يزداد الميل إلى تأييد الحرب الاقتصادية. صحيح أن العقوبات تؤذي المواطنين العاديين بقدر ما تؤذي النظام الوحشي أو أكثر، لكن سلبيات تلك العقوبات بالنسبة إلى الغربيين الذين يفضلون تجنب المجازفة تبقى أقل وطأة من احتمال خوض صراع مطوّل في الخارج. لذا من المفيد أن يصبح الأميركيون والأوروبيون أكثر براعة في استعمال تلك العقوبات.