عاصم عبد الخالق

بما أننا لسنا في حرب أهليةrlm;,rlm; علي الأقل رسميا حتي الآنrlm;,rlm; فان حدوث اختلاف أو انشقاق داخل احد المعسكرين المتناحرينrlm;:rlm; المدني أو الإسلامي لا يجوز اعتباره نصرا مؤزرا للطرف الآخرrlm;.

الانشقاق الذي يمكن ان تشهده المعارضة برفض بعض مكوناتها مقاطعة الانتخابات لن يكون مكسبا للإسلاميين بل مكسب للتجربة الديمقراطية عبر توسيع قاعدة المشاركة.
في المقابل فإن الخلاف العنيف الذي تفجر بين الإخوان وحزب النور السلفي لن يصب في صالح جبهة الإنقاذ, ولكنه سيفيد التجربة الديمقراطية في النهاية. ذلك ان الخلاف بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يعني ان الالتزام الايديولوجي يتراجع امام المصالح والبرامج والأهداف السياسية. وهذا تطور بالغ الاهمية.
هذه الخلافات داخل التحالف الواحد تمثل تطورا قد يكون في ظاهره العذاب لرفاق العمل المشترك, ولكن في باطنه الرحمة للتجربة الديمقراطية المتعثرة في مصر, لأنه يعني مزيدا من النضج والتطور السياسي. تجارب العالم الديمقراطي تقول بذلك وكتابات الصحف الغربية تعكس وعي كتابها بهذه الحقيقة التي تغيب عن أذهان الكثير من مثقفينا. تحفل الصحف الغربية بانتقادات حادة للإخوان والرئيس مرسي, وهي في مجملها لا تزيد عما نطالعه في إعلامنا. غير ان تقييمها ورؤيتها لأداء المعارضة يستحق التوقف والتأمل من العقلاء في هذا التيار الوطني الكبير, مراجعة للنفس وتصويبا للاتجاه.
قبل أيام نشرت فاينانشيال تايمز البريطانية تقريرا اعتبرت فيه أن أداء المعارضة جاء مخيبا للآمال, وأصاب الغرب بالإحباط بسبب عدم وضوح الرؤية والتشتت والتسرع في تبني مواقف دون تفكير في عواقبها. مشكلة المعارضة الأكبر ـ كما تقول الصحيفة الرصينة ـ انها بينما تصر علي استقالة الحكومة لم تقدم خطة اقتصادية او اجتماعية واضحة لتطبيقها إذا وصلت الي الحكم. والنتيجة ان الحكومات الغربية وجدت نفسها مضطرة لمساندة الحكومة المصرية ضمنيا في مواجهة المعارضة المشتتة.
أما داخليا فان النتيجة الأهم, والكلام ما زال للصحيفة ـ هي انصراف المتظاهرين عن المعارضة ومواصلة احتجاجاتهم بطريقتهم بعيدا عنها.
ما لم تقله الصحيفة هو ان المعارضة بمقاطعتها الانتخابات تترك البرلمان ساحة مفتوحة يحتكرها الإسلاميون. كما ان رفضها للآليات الديمقراطية للتغيير عبر الانتخابات واعتمادها اسلوب المواجهة وحشد الجماهير والتصعيد العنيف او دعوات العصيان يمثل خطأ استراتيجيا فادحا ستدفع المعارضة ومصر كلها ثمنا باهظا له.
المفارقة هنا هي انه بينما تنسحب المعارضة المدنية طواعية من معركة الانتخابات, التي اعتادت تاريخيا ان تخوض غمارها, فان وافدا جديدا علي الساحة السياسية هو التيار السلفي يبدي إصرارا علي مواصلة المشاركة في هذه المعركة الي نهايتها. ليس هذا فقط بل يظهر تفوقا في فهم آلياتها واستيعاب دروس الديمقراطية التي خاصمها او حرم منها طوال تاريخه.
تلك ايضا رؤية غربية ناضجة لواقعنا السياسي عبرت عنها مجلة فورين بوليسي الامريكية في تقرير كتبه خبير في شئون المخابرات والإرهاب يدعي هارون زيلين. ورغم ان التقرير نشر منذ اشهر قليلة إلا انه يقدم قراءة واعية وسليمة لمسيرة السلفيين. والأحداث التي جرت بعد ذلك أكدت انه كان علي حق فيما توقعه.
فهو علي سبيل المثال اعتبر ان الديمقراطية تفرض سؤالا صعبا أمام السلفيين هو هل يحافظون علي نقائهم العقائدي ام يحاولون إحداث تأثير فعلي في مصيرهم عبر اجتياز الطريق الذي كان مسدودا امامهم في ظل النظم الاستبدادية؟!. أداء السلفيين ومن واقع تجربتهم في الاسابيع الاخيرة يوضح انهم اختاروا البديل الثاني وهو ما توقعه الكاتب. أما لماذا راهن علي هذه النتيجة فهو يوضح ان بصيرة وبعد نظر بعض السلفيين يجعلهم يدركون ضرورة الانضمام للديمقراطية.
الفائدة الاكبر لهذا التحول التاريخي كما يحددها هي ان العملية السياسية تنطوي علي احتمال جذب هؤلاء بعيدا عن التفسيرات الجهادية المتطرفة. فقد تكون هذه الجماعات مزعجة سياسيا, ولكن الديمقراطية توفر منبرا ايجابيا للتغيير بدلا من العنف. ولهذا ينبغي منحهم الفرصة لمواصلة تطورهم الايديولوجي. انتهي الدرس الغربي.