سمير عطا الله

تتشابه مراحل الأعمار في بلدان الأرض.. في الماضي وفي الحاضر يقرأ كل جيل، تقريبا الكتب نفسها، يعيش ظروف المراهقة نفسها، وتنتابه المشاعر نفسها حول المظالم الاجتماعية التي يراها من حوله. يذكرني بذلك اليوم كتاب ماريو فارغاس يوسا (نوبل 2010) laquo;إثارة الأمواجraquo; عن سنواته الأولى في ليما، البيرو. القرائب كثيرة. ولكن يوسا لا يحب عاصمته، التي لا هوية لها، أما نحن فقد كانت لطفولتنا وشبابنا مدينة اسمها بيروت، laquo;باهيةraquo;، كما يقول الليبيون، laquo;زاكيةraquo; كما يقول الفلسطينيون في وصف الورد.

ولكن مثل أبناء جيلنا ارتعد والد يوسا خوفا عندما عرف أنه يكتب الشعر، هذه مهنة الذين يموتون جوعا ويتسربلون بأسمالهم ويرخون شعرهم على أعناقهم. وفي البيرو، الخمسينات، كانت laquo;الخطيفةraquo; شائعة. فإذا عارض الأهل زواجا ما، أقدم الشاب على laquo;خطفraquo; عروسه، ووضع الأهل أمام الأمر الواقع، وسارع الجميع إلى إقامة عرس... ودامت الأفراح في دياركم زاهرة.

كتب يوسا روايته الأولى عن الحكم الديكتاتوري العسكري الذي كان سائدا في أميركا اللاتينية آنذاك. وبعد 15 عاما على صدورها التقى وزير الداخلية الذي هو شخص رئيسي في الرواية. وقال له الوزير بكل جدية laquo;إنه عمل أدبي جيد حقا يا كاتبي العزيز. لكن يا ليتك تحدثت إليّ، لكنت زودتك بكثير من المعلومات المهمةraquo;.

من قرأ يوسا في شبابه؟ غالبا، أولئك الذين قرأهم أهل تلك المرحلة في البلدان: أرنست همنغواي، وجيمس جويس، ووليم فوكنر، وأندريه مالرو، وخورخي لويس، وبورخيس، وجان بول سارتر. ما زال يعود إلى قراءتهم جميعا، إلا سارتر فلم يعد قادرا على قراءته. خامرني الشعور نفسه عندما عدت من مكتبة الكتب المستعملة ومعي كتاب لسارتر. تصفحته ووجدت أن عالمه قد مضى. لكن الشعور نفسه ينتابني عندما أحاول العودة إلى همنغواي، الذي بهرت به شابا. وربما لخطأ بي، لم أعد قادرا على العودة إلى مالرو، إلا في حواراته العبقرية.

تعكس قراءتنا، مزاجنا وتطورنا ومناخات حياتنا. ويرافقنا بعض الكتّاب مدى العمر، ومنهم السنيور يوسا، الذي عرف كيف يبقى متجددا. ولكن ما هو التجدد؟ ليس الجديد. فقد نعثر على التجدد في رواية عن الفراعنة، أو عن الحرب الأهلية الأميركية. لعل التجدد هو أن تعرف كيف تؤدي عملا جيدا. لذلك يقول يوسا إن الرواية التي أوصلته إلى نوبل لم يتعلمها في الجامعة بل عند كبار الروائيين.