المشروع الإيراني التفتيتي على مشارف نهاياته؟

بول شاوول

ما يثير الاستغراب وحتى السخرية المُرة أن القانون الانتخابي quot;الميني مذهبيquot; والسوبر انعزالي، سمّي quot;الأرثوذكسيquot; باسم طائفة لم تدخل عملياً لا في حروب المذاهب، ولا الميليشيات؛ الطائفة الأرثوذكسية المعروفة بانتماءاتها اللبنانية العروبية، من خلال ناسها والمفكرين والكتاب والشعراء.

غريب! أن تلصق وصمة هذا quot;القانونquot; (الصهيوني السوري- الإيراني) بالارثوذكس، وكأنما هناك من يريد وصم هذه الطائفة، بما وُصم به الآخرون، خصوصاً الذين تبنوا من منطق قصير النظر، وآني، وتافه وشعبوي هذا المشروع الذي يرون فيه إنه quot;يحميquot; المسيحيين! (ولك حلوا عن ظهر المسيحيين لن تبقوا أحداً منهم في لبنان!) ونظن ان بعض القيادات quot;الأرثوذوكسيةquot; مثل النائبين فريد مكاري وميشال المر فإلى المطران عودة... اتخذ الموقف الصحيح بنفض يديه من هذا المشروع الذي يذكرنا بميليشيات السبعينات وكانتوناتهم وإداراتهم المدنية وصولاً إلى quot;جماهيرية حزب اللهquot;... في الضواحي والتي تحولت quot;كانتوناًquot; ينضح بالفساد والجرائم وإيواء القتلة والمهربين والخاطفين وقطاع الطرق وعصابات سرقة السيارات والخوات! ونظن انه النموذج المثالي لكل كانتون أو دويلة أو quot;جماهيريةquot; quot;عظمىquot; quot;مستقلةquot; عن الدولة والدستور والقوانين... والوحدة الوطنية والقيم السياسية وquot;الروحيةquot;.
فحزب الكانتون الإلهي (والبيئة الحاضنة!) يعيش ابهى لحظات quot;انتعاشهquot; وسط الخراب العميم. بل يُسفر عن أوضح وجوهه المطلية بمساحيق المقاومة والتحرير.. والممانعة وهو الوجه الإيراني الساطع الرائع الفاقع.. الذي تنسحب كل الألوان دونه!
فمشروع القانون الأرثوذكسي بضاعة ايرانية استُوردت لتسويقها والهدف quot;الأسمىquot; تفتيت لبنان. تمهيداً للسيطرة عليه، أو احتلاله وتسليمه لولاية الفقيه. وهل يمكن فصل هذا quot;التصورquot; التفتيتي عن المخططات الصهيونية quot;التاريخيةquot; من اسرائيل الكبرى إلى ايران الكبرى!
وهنا أسأل حزب الله: لم تفسروا لنا كيف قفز هذا quot;الشيخ الإيرانيquot; الصالح مهدي طائب وهو الضمير الظاهر للنيات والمشاريع الصفوية (الصفيونية!) في العالم العربي، من 31 محافظة إيرانية موجودة إلى اعتبار سوريا العربية المحافظة الخامسة والثلاثين. فما هي الدول الأخرى الثلاث التي قفز فوقها وتعتبر الولايات الثانية والثالثة والرابعة والثلاثين لإيران؟ طبعاً من يتابع quot;أمراضquot; ايران التخريبية يعرف ان لبنان والبحرين والعراق هي المحافظات التي يعتبرها نظام (الصفيونية) على مرماه. أكثر: نشرت خريطة لبنان تتمدد ببندقية حزب الله عليها كلها! وهذا معلوم!
لكن ما صعقني في حوار بين عِراقيين أحدهما مع الثورة المدنية المندلعة في العراق واتجاهه عروبي وبين آخر quot;من أتباع المالكي الذي سبق ان صرح quot; انا شيعي قبل ان أكون عراقياًquot; في برنامج quot;الاتجاه المعاكسquot; على الجزيرة ان المؤيد للثورة العراقية الراهنة سحب من ملفه غلاف كتاب وضعه quot;كاتب عراقي يدعى عز الدين أبو سنة واحتفل به وزير الثقافة العراقية وعنوانه quot;محمد ليس عربياًquot; مشككاً فيه بأصل النبي العربي. لم تصل لا اسرائيل ولا من يُصنَّفون quot;أعداءquot; الإسلام إلى نزع هوية النبي محمد العربية. شيء مخيف! ونظن انه، ربما غداً أو بعد غد، سيشكك من ينتمون إلى ولاية الفقيه العربية بالقرآن..

وقد يزعمون انه كتب بالفارسية ثم ترجم إلى العربية. والكل يعرف أن الاشارة إلى أن القرآن أُنزل عربياً وردت عدة مرات فيه.. ربما ثلاثاً أو اربعاً! لكن الغريب، اننا لم نسمع اي تعليق أو إدانة بحق هذا الكاتب المشبوه (وهو عربي) الذي يريد أن يشوه صورة النبي، والقرآن ... فاذا كان النبي ليس عربياً، فماذا يكون. أتكون قريش ايضاَ غير عربية. والجاهلية غير عربية. والأمبراطورية الإسلامية غير عربية! بل ونظن أن هذا الكتاب الذي لم يسبقه أحد إلى إهانة المسلمين والنبي والقرآن يضاهي سوءه quot;الكاريكاتورquot; السويدي الذي تعرض للنبي، وقامت القيامة عليه. ثم شيخ إيراني ينزع quot;العروبةquot; عن سوريا والبحرين والعراق ولبنان.. وآخر معتوه quot;ينزعquot; الأصل العربي عن النبي العربي! فلماذا إذاً لا تنفي ايران وجود العرب كلهم. قديماً وحديثاً ومستقبلاً! فالأهواز سلبت، والجزر العربية الثلاث احتلت... والمشروع شغال: فرسنة الأمة العربية عبر الذرائع المذهبية، ورسم quot;هلالquot; سياسي خوارجي يبدأ في طهران وينتهي عند quot;الحليف الاستراتيجي السريquot; اسرائيل: فيلتقي مشروعان شقيقان (غير عربيين) اسرائيل الكبرى وايران الكبرى وبينهما الأمة العربية ولا نستغرب اتهام النظامين السوري والفارسي بالإرهابيين والأصوليين ثوار سوريا بدلاً من اتهام اسرائيل. رائع! والسبب معروف ان اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم تفعل المستحيل لدعم النظام البعثي، ثانياً هناك محاولات لتصوير كل من هم خارج quot;الهلالquot; الإيراني الصهيوني مجرد ارهابيين، من ليبراليين ويساريين وخصوصاً أهل السنة. فقد أحلوا هؤلاء الأخيرين محل اسرائيل. أي كل من يمت إلى العروبة على شكل أو آخر. فالمعركة مثلاً في العراق قائمة بين الاحتلال الإيراني المذهبي (ووراءه اسرائيل والولايات المتحدة) وبين الذين ما زالوا ينتمون (أو شرائح كبرى منهم) إلى الفضاء العربي التاريخي. أولم تكن بغداد ذات مرحلة قلب الامبراطورية العربية؟ بل عاصمة الثقافة العالمية في العصور العباسية؟ فهناك برمجة خطيرة في العراق اليوم لمحو عروبتها وسماتها العربية وانتماءاتها ووسم ناسها quot;بالارهابquot; والأصولية. والمضحك ان من يتهم العراقيين الثائرين على الرئيس المالكي (الددمية في أيدي ولاية الفقيه) هم بنو فارس. وهم النظام الأكثر ارهاباً في العالم مع نظيره السوري وحليفه الروسي وشقيقه الاسرائيلي! وان يقال إن سوريا هي المحافظة الخامسة والثلاثين لايران، يعني قبل كل شيء ان quot;قلب الأمة العربيةquot; ومهد الثورات العروبية (قبل مجيء آل الأسد إلى السلطة) تنتمي إلى بلاد فارس. وان الدول الثلاث الأخرى التي لم يذكرها هذا الشيح: اي لبنان والبحرين والعراق ايضاً ضمن الخريطة العنصرية الإيرانية. من هنا نفهم جيداً quot;نخوةquot; حزب الله التي تتمثل بالاعتداء على الأراضي السورية، (بحجة الدفاع عن الشيعة هناك!).

ومن أعطاكم هذا التفويض؟ إذاً عليكم ان تشدوا الرحال وتدافعوا عن كل quot;شيعيquot; في العالم بالمال والسلاح الإيرانيين. بل كأن طهران صارت quot;فاتيكانquot; هذه الطائفة الحرة المشرشة عندنا في عروبتها وأرضها. فالنظام السوري يقصف عكار داخل الأراضي اللبنانية. والحزب الالهي أعزه الله يعتدي على السوريين والأراضي السورية. وإن مزارع شبعا التي لا تختلف كذريعة عن quot;شيعةquot; لبنان داخل سوريا: في الأولى لابقاء قرار الحرب والسلم والسلاح في أيدي الملالي. والثانية لتبرير دعم النظام المتهاوي ان شاء الله عليه وعلى رؤوس من يعتدي على الشعب السوري! وكما يتهم النظام الفارسي معارضيه في الداخل بالارهاب والعمالة والرشوة وتهديد الوحدة والارتهان للغرب (نسي المهدي ان اسقاط نظام صدام تم بحلف واضح بين أمريكا وبين إيران.. وسوريا!) وهذا ما يتهمون به الثوار في سوريا لاستثارة الهواجس الأوروبية والأميركية او الأحرى لتسول دعم هؤلاء لهم في حربهم الضروس البربرية ضد الثوار. وقد وصل بهم الأمر أيضاً إلى البحرين فمذهبوا التحرك البحريني، لاحداث شرخ بين مكونات المملكة ولطمس كل تنوع سياسي ليبرالي وقومي ويساري ويميني هناك. فالبحرين التي صارت بالنسبة إلى هؤلاء خارج المنظومة العربية، بل وتحولت مسألة ايرانية داخلية تماماً كما يصورون احتلالهم للجزر العربية الثلاث في الامارات. ليشوهوا بذلك كل تحرك نقابي أو سياسي في بلاد عرفت بحراكها الأيديولوجي والعروبي والتقدمي والانفتاحي: فإيران، لكي تفترس دولة، عليها ان تجعل نفسها شبيهة نظامها الذي يقمع نصف الشعب الإيراني ويضطهد مؤسسي الجمهورية الاسلامية كموسوي وكروبي ورفسنجاني...

(ونبشر الحزب عندنا الحزب الالهي بأن ربيع ايران لم ينته، وعليه ان يستعد أيضاً بسلاحه ورجاله... لدعم النظام الذي quot;اخترعهquot; وصنعه على صورته). والكل يعرف ان الصورة مشابهة في لبنان: أراد الإيرانيون عبر حزبهم quot;الوفيquot; للعروبة ولسيادة لبنان... ان يأتوا بشبيه للمالكي في لبنان.. فاختاروا نجيب ميقاتي. فصار عندنا نسخة أخرى معلبة. وكما ينهبون عبر المالكي ثروات العراق ويحكمون من وراء الكواليس ومن أمامها، ها هم يكررون التجربة في لبنان بحكومة quot;مالكيةquot; لا علاقة لها بلبنان ولا بمصالحه ولا بتاريخه ولا بعروبته. وبالطريقة نفسها، يحاول الحزب وسوريا وايران اتهام كل من ليس في 8 آذار إما بالارهاب والسلفية (أهل السنة) وإما بالأصولية وإما بالانتماء إلى quot;القاعدةquot; وتجريم الطائفة السنية وتشويهها لعبة ايرانية سورية تسعى في الوقت ذاته إلى ضرب كل ما يمت إلى العروبة في لبنان: فالسنة في لبنان (عموماً) هم من حملة الارث العربي مع كثيرين من الاتجاهات القومية والثقافية والطائفية، وهم أول من رفعوا شعار quot;لبنان أولاًquot; في quot;ثورة الأرزquot;. وهذا الشعار quot;يكهربquot; حزب ايران وحلفاءه أو عملاء النظام السوري، ورفعه جريمة وانعزالية... ان تضع مصلحة لبنان قبل النظامين السوري والفارسي خيانة، بينما تأييد المشروع quot;الأرثوذكسيquot; وطني، ووحدوي ولبناني وتاريخي! فيا للنفاق! قانون يضع الانتماء المذهبي فوق الانتماء الوطني رائع! وشعار لبنان أولاً.. تقسيمي! نعم! تقسيمي لأنه يفصل بلدنا عن الوصايتين وعن كل الوصايات ويربط لبنان بمحيطه العربي: وهذا اثم لا يغتفر: فكل اعلام حزب الله اليوم (وعندنا حزب الله آخر ما شاء الله في العراق: الله يكثّر امثالكم) يشوه صورة العرب، بكل تاريخهم. ولم ينقصنا أخيراً إلا ان ينضم ميشال عون بواجب جهادي إلى هذه القافلة... ويتهجم على بعض دول الخليج! رائع! وهل تتحمل مصير مئات الوف اللبنانيين الذين يعملون هناك؟ يا رجل الدولة! والمفهومية! والوطنية! ونفهم من هذا كله ان السلاح الإسرائيلي quot;الأيديولوجيquot;: اسرائيل الكبرى عبر إلى ايديولوجية أخرى: ايران الكبرى، لتقسيم الأمة العربية وتفتيتها وضرب هوياتها التاريخية: من مشروع القانون الأرثوذكسي ، إلى الهيمنة على سوريا، عبر محاربة الثورة الشعبية، فإلى المساس والتشكيك حتى بعروبة quot;القرآنquot; واعتبار بلدان عربية: سوريا والعراق والبحرين ولبنان محافظة quot;فارسيةquot;.. فالى توسيع الحملات على كل ما هو وحدوي عربي، أو رمز عربي، أو ثقافة عربية.. أو دولة عربية او ارض عربية.

فالخطر الايراني quot;كيانيquot; على العالم العربي لا يضاهيه سوى الخطر الصهيوني، وهما خطران يغذيان بعضهما البعض في أهدافهما القريبة والبعيدة. ومعظم مخططات التخريب وخلق quot;بؤرquot; كانتونية أو انفصالية أو تقسيمية تولتها ايران بعد اسرائيل او تتولاها الاثنتان معاً: من الجزر العربية الاماراتية (فٌرسنت كما هودت القدس) فالى الجنوب اليمني quot;المهددquot; بعودته إلى الانفصال عن اليمن ، فإلى البحرين (كولاية ايرانية) والجنوب اللبناني وبعض البقاع فالضاحية ، فإلى العراق، فإلى سوريا... فإلى مشروع القانون الأرثوذكسي فإلى ضرب quot;الربيع العربيquot; ... فإلى سطو 8 آذار على مقدرات الدولة لضربها وتخريبها: انها حلقات quot;ارهابيةquot; مذهبية موصولة... وخناجر في الخاصرة العربية.. لكن يبدو ان هذه الظاهرة quot;الفارسيةquot; الامبراطورية المستعادة هي في دربها quot;المظفرquot; إلى الانتكاس.. وذلك ان تاريخ الطغاة والأيديولوجيات الشمولية وحتى العلمانية طويت صفحاتها كما طويت صفحات quot;المرشدينquot; وquot;المالكينquot; وquot;القادة الملهمينquot;...