لندن
لم نلتزم الصمت عندما سلم نظام الرئيس حسني مبارك السيد منصور الكيخيا وزير الخارجية الليبي الاسبق واحد ابرز المعارضين ونشطاء حقوق الانسان العرب الى نظام العقيد معمر القذافي مقابل صفقة حديد لاحد المقربين منه، ولن نصمت على اعتقال السلطات المصرية للسيد احمد قذاف الدم منسق العلاقات المصرية الليبية السابق تمهيدا لتسليمه الى السلطات الليبية بعد الاطاحة بنظام ابن عمه.
توقعنا من انظمة الحكم التي يسيطر عليها الاسلاميون، ووصلوا الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، ان تكون اكثر التزاما بحقوق الانسان، والنظام المصري من بينها على وجه الخصوص، ولكن يبدو ان توقعاتنا هذه لم تكن في محلها، فقد اخترق نظامان اسلاميان في مصر وتونس كل قواعد هذه الحقوق، اما نتيجة لضغوط خارجية، او لمغريات مالية.
بداية نؤكد هنا، ان نظام العقيد معمر القذافي كان ديكتاتوريا فاسدا، ارتكب جرائم عديدة على رأسها اغتيال خصومه، وتعليق طلاب على المشانق في جامعة بنغازي، وقتل اكثر من الف اسلامي حرقا في سجن ابو سليم وسلم لاجئين سياسيين الى دولهم ليواجهوا الاعدام مثل اللواء السوداني هاشم العطا الذي كان يخطط لانقلاب ضد الرئيس جعفر النميري واجبر طائرته على الهبوط. ولكن نفترض ان الانظمة الاسلامية المنتخبة، انظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان، وتحمي من استجار بها من منطلقين الاول اسلامي محض والثاني قانوني شرعي انساني.
السلطات التونسية كانت البادئة في ارتكاب هذا الاختراق، عندما بادرت الى تسليم البغدادي المحمودي رئيس وزراء ليبيا السابق مقابل عروض مالية واقتصادية مغرية، مثل استيعاب آلاف الشباب العاطل عن العمل، ودعم الاقتصاد التونسي المنهك بسبب الضغوط العالمية وانحسار السياحة وباقي موارد الدخل الاخرى.
ومن المؤسف ان تسير السلطات المصرية على النهج نفسه، وتعتقل مجموعة من انصار النظام الليبي السابق لجأوا الى مصر طلبا للامن والامان والعدالة نظرا لتراثها العريق في احتضان اللاجئين السياسيين وتوفير الحماية والعيش الكريم لهم.
مصر احتضنت العشرات ان لم يكن المئات من اللاجئين السياسيين ابتداء من العاهل السعودي الاسبق الملك سعود بن عبد العزيز، وشاه ايران رضا بهلوي، والضابط السعوديين الاحرار وعلى رأسهم الامير طلال بن عبد العزيز، وشقيقه الامير تركي بن عبد العزيز الذي وصلها بعد ذلك، مثلما احتضنت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والرئيس عبد الرحمن عارف، وعشرات السياسيين اليمنيين مثل احمد النعمان وعبد الرحمن البيضاني والقائمة تطول.
عشرات من قيادات حركة الاخوان المسلمين لجأوا الى دول عديدة عندما تعرضوا الى ملاحقة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ولم تسلم هذه الدول، وبينها المملكة العربية السعودية ايا من هؤلاء.
العشرات من اللاجئين العراقيين، وبينهم بنات الرئيس الراحل صدام حسين لجأوا الى قطر الاردن واليمن، وطلبت السلطات العراقية تسليمهم، ولم تسلمهم اي من هذه الدول، بل قدمت لهم العيش الكريم.
الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة اقام في بريطانيا عشرين عاما، وكان ملاحقا من نظام الرئيس بن علي، ولكن السلطات البريطانية رفضت تسليمه. حتى من سلمتهم اخيرا الى امريكا من المتهمين بالانتماء الى تنظيم القاعدة، مثل ابو حمزة المصري وخالد الفواز، فان هذا التسليم تم بعد معركة قانونية شرسة استمرت اكثر من 13 عاما.
لا نريد ان تخسر مصر مكانتها كدولة اقليمية كبرى تحترم القوانين وتوفر الملاذ الآمن للاجئين اليها طلبا للامن والسلامة.
لا نعترض على احترام القوانين الدولية، بل نؤيد هذا الاحترام دون تحفظ، ولكن هناك اجراءات متبعة في هذا الصدد، مثل ان يتم التسليم لحكومات فيها قضاء عادل مستقل وفي حالة ليبيا لا تتوفر هذه الشروط، فسيف الاسلام القذافي ما زال مسجونا لدى ميليشيا الزنتان في جبل نفوسه الغربي. والبرلمان الليبي يعقد جلساته في خيمة لانه لا يستطيع عقدها في مقره المحتل من قبل ميليشيا اخرى.
هناك اقوال وتكهنات بان السلطات المصرية اعتقلت السيد قذاف الدم المتهم بتجاوزات مالية مقابل وعود بمساعدات مالية، واذا صح هذا الامر فانها كارثة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالسلطات التونسية لم تحصل على فلس واحد مقابل تسليمها للسيد المحمودي باعتراف مسؤول كبير فيها لهذه الصحيفة نتحفظ عن ذكر اسمه.
اننا نضم صوتنا الى صوت الاستاذ محمد حسنين هيكل برفض عملية الاعتقال هذه التي تسيء الى مصر ونظامها القضائي، وارثها العريق في احترام حقوق اللاجئين ورفض تسليمهم، ونناشد الرئيس محمد مرسي ان يتدخل، ولا يسلم السيد قذاف الدم الى ليبيا الا بعد التأكد من انه مذنب، ومدان بالتهم الموجهة اليه وزملائه، وبعد التأكد مرة ثانية من وجود نظام قضائي مصري عادل ومستقل.
الرئيس جمال عبد الناصر رفض ان يسلم الملك ادريس السنوسي لصديقه معمر القذافي واكرم وفادته عندما وصل الى مصر قادما من تركيا بعد ان سلم 30 الف دولار كانت في حوزته الى السفارة الليبية في انقره، بل الاكثر من ذلك انه ارسل اليه عشاء فاخرا يليق به لان الملك السنوسي رحمه الله لم يملك ثمن العشاء له وللمجموعة الصغيرة من مرافقيه.
نأمل ان تتقدم القيم الاسلامية في حكومة مصر الثورة، على المصالح الاقتصادية، والوعود بالمنح المالية، هذا ان وجدت، حفاظا، واحتراما، والتزاما، بتاريخ مصر وتراثها العريق في هذا المضمار.
التعليقات