القاهرة ndash; أمينة خيري

قالها عادل إمام في فيلم laquo;التجربة الدنماركيةraquo; على سبيل الدعابة، فإذ بها تتحول إلى مدرسة ومنظومة وفكر قائم بذاته. فإذا كان laquo;عيد المسخرةraquo; لا وجود له في الدنمارك ولا غيرها من بلاد المعمورة، فإن المحروسة نجحت في أن تحول المسخرة ليس فقط إلى عيد، بل إلى سلاح للدفاع وأداة للهجوم وعامل للتوحد العربي الشعبي بعيداً من فئة الحكام، وتأجيج غير متوقع للعلاقات المصرية- الأميركية.

الولايات المتحدة التي أذعنت لحديث الصندوق، وامتثلت لحكاية التحول الديموقراطي، وصارت وجماعة laquo;الإخوانraquo; الحاكمة laquo;أعز أصدقاءraquo;، اكتشفت أن الجماعة لا تقبل الدعابة الساخرة ولا تحب البرامج الضاحكة ولا تطيق صبراً على من يخضع رموزها للنقد، لا سيما إذا كان نقداً مسموعاً وكلاماً معقولاً ووجهاً مقبولاً!

أراجوز وتافه

وبين ليلة وضحاها، تحول أحدث المتحولين من عالم الطب إلى صنعة الإعلام من laquo;أراجوز تافه، نسبة مشاهدته صفرraquo; إلى laquo;مزدرٍ للأديان ومهين للرئيس ومبلبل للاستقرار ومهدد للأمانraquo;. باسم يوسف أقلق مضاجع كثر، إما انتظاراً لمشاهدة laquo;البرنامجraquo; مساء كل جمعة باعتباره نسمة الأوكسيجين العليل في زمن تسيد فيه ثاني أكسيد الكربون أو غضباً لتجهيز العتاد للرد على تفاهات المهرج وسخافات المعلق التي لا تستهدف إلا إفشال الرئيس وإجهاض المشروع الإسلامي المحلق في فضاء النجاح.

فضاء النجاح الذي أخرج باسم يوسف من عنكبوت laquo;يوتيوبraquo; إلى أثير الفضائيات المصرية الخاصة أخرج كذلك شكلاً فريداً من أشكال المعارضة السياسية العربية المقبولة جداً على مستوى الشعوب التي طال قهرها وتكلس عقلها!

حتى المسخرة لم تسلم في الوقت الراهن من الاستقطاب، فمعارضو laquo;الإخوانraquo; يرون في قنواتهم الفضائية laquo;مسخرةraquo; من حيث المحتوى الإعلامي. تعليقات عدة تسمعها وتقرأها تتراوح بين laquo;إعلام صفوت الشريف (وزير إعلام النظام السابق) مقارنة بإعلام الإخوان قمة المهنية والحيادraquo; وlaquo;قنوات الإخوان ترفع شعار: الفضائيات كما لا ينبغي أن تكونraquo;، لكنها تقابل على الجانب الآخر بتعليقات لا تقل انتقاداً للطرف الآخر. فهناك من رموز الجماعة الحاكمة من يجاهرون بأن laquo;على الإعلاميين الشرفاء أن يقتدوا بـ laquo;الجزيرة مباشر مصرraquo; لالتزام الحياد والموضوعيةraquo;، ومن محبي الجماعة من يهب فترة المساء والسهرة لإرسال الرسائل النصية القصيرة لقناة laquo;مصر 25raquo; وحليفاتها من القنوات الدينية سابقاً المتحولة سياسية حالياً لبث مشاعر الحب والولع بالسيد الرئيس، وبث سموم الكراهية والتهديد والوعيد تجاه الفريق العلماني الهادف إلى هدم مصرraquo;. الطريف أن الفريقين وجدا نفسيهما إما مدافعين شرسين عن باسم يوسف وما يمثله من انتقاد للمشهد السياسي، أو مهاجمين مفترسين ليوسف وما يمثله من laquo;قلة أدبraquo; و laquo;استهزاءraquo; بالإسلام السياسي.

وتظل أكثر الملحوظات إثارة للتفكير والبحث والتحليل هي كيف تحول انتقاد الإسلام السياسي إلى تهمة ازدراء للدين الإسلامي، ما يؤكد مخاوف سابقة من أن تؤدي خلطة الدين بالسياسة إلى احتكار للدين، وتصعيد للحاكم من منصب الرئيس إلى خانة ذات صبغة روحانية لا يجوز المساس بها.

وكان كل المساس من نصيب باسم يوسف الذي سيكتب له التاريخ أنه من سار بمصر في درب العالمية بعد عمر الشريف. وإذا كان الشريف اخترق عالم التمثيل في هوليوود، فإن يوسف جلب لمصر شهرة عالمية باختراقه عالم التنكيت في أميركا!

فالجماعة التي لم تعتد على مدار سنوات عمرها الـ80 أن يسخر منها أحد، بل لم تعتد العمل تحت مسمع ومرأى العالم الخارجي، ناهيك عن سماع تعليقات تخرج عن إطار السمع والطاعة لتركيبتها الهرمية، وجدت نفسها فجأة موضوعاً للسخرية على أثير الفضائيات التي نقلت هذه الأجواء عبر الحدود، وبات laquo;باسمونraquo; ظاهرة عابرة للقارات والمحيطات.

وعبر الأطلسي تفجر مقدار أكبر من السخرية ndash; أقرب ما تكون إلى المسخرة- في أعقاب أمر الضبط والإحضار الصادر في حق باسم يوسف بناء على بلاغات تقدم بها جيش منظم من محبي الجماعة.

إضحك كركر

لكن الجميع ضحك إلى حد الكركرة، وذلك بعدما نقل المذيع الأميركي الساخر جون ستيوارت صاحب برنامج laquo;ذو دايلي شوraquo; مجال الكركرة إلى آفاق أبعد بكثير، فمن أثير الشاشات الأميركية إلى أوراق الصحف ومواقع الإنترنت حيث تناقلت laquo;واشنطن بوستraquo; وlaquo;هافينغتون بوستraquo; وlaquo;نيو يورك تايمزraquo; ومنها إلى إعلام المعمورة. سخر ستيوارت من الرئيس مرسي مستعيناً بمقاطع فيديو مصورة له. قال ستيورات: laquo;الرئيس الذي تعاني بلاده من 30 في المئة بطالة، ومن تحرش جنسي غير مسبوق، وتضاعف في معدل التضخم مرتين، ترك كل ذلك ليلاحق باسم يوسفraquo;. واستنكر غضب مرسي وجماعته من مشهد laquo;سطلانية الفلسفةraquo; وقال: laquo;إذا كانت السخرية من قبعة الرئيس ولغته الإنكليزية جريمة، فهذه كانت مهمتي على مدى ثماني سنواتraquo;. وأبكى ستيورات الملايين من المصريين ممن يشعرون بالأسى لما آلت إليه أمور بلدهم، وقال: laquo;لا أفهم هذا يا رجل، أنت رئيس مصر، الوريث لأعظم حضارة عرفها التاريخ المكتوب، أجدادك اخترعوا الحضارة والورق واللغة المكتوبة، وبنوا الأهرامات، من الذي يقلقك؟ فنان كوميديraquo;!

لكن الإجابة الفعلية لسؤال ستيورات هي: laquo;نعم، الرئيس ونظام الحكم قلقان من فنان كوميديraquo;. والرئيس ونظام الحكم مرعوبان مما يمكن لبرامج الـlaquo;توك شوraquo; غير الدينية أن تفعله بهما. وعلى رغم أن الغالبية العظمى من المذيعين الذين يخضعون حالياً لموجة استدعاءات للتحقيق في بلاغات هي كوكتيل من إهانة الرئيس والإضرار بأمن الدولة وازدراء الدين الإسلامي وإشاعة البلبلة وتكدير الأمن العام المبلبل أصلاً ساهموا بمقدار كبير في الدفع بمرسي إلى كرسي الرئاسة درءاً لخطر ما رأوه باعتباره عودة للنظام القديم ممثلاً في الفريق أحمد شفيق، إلا أن المثل الشعبي يقول laquo;خلصت حاجتي من جارتيraquo;، وlaquo;حاجة الجماعة خلصتraquo; من الفضائيات الخاصة غير الدينية ومذيعيها وناشطيها وثورييها، وحان وقت الانفراد، ليس فقط بالسلطة، ولكن بالشاشات.