تركي عبدالله السديري

عبر النشر الالكتروني ترد أحياناً آراء غير منطقية، وذلك بسبب محدودية التعليم والخبرة، لكنها لا تصل إلى ترويج أي خطورة، حيث إن المواطن - وبالذات في بلادنا - ليس بذلك الذي ينقاد خلف تبعية آراء دون وجود قناعة.. قد يتواجد ذلك في بعض الدول العربية.. لدينا.. لا.. ودائماً أتلقى أفكار مواطنين ترفض ذلك.. لكن نحن الآن في حاضرنا القريب يواجهنا ابتكار مواقع إلكترونية مسيّسة بشكل دقيق وتحاول الادعاء بأنها مجالات رأي مستقلة.. ولو كان الأمر كذلك لما كان يجوز أن تراعي في أخبارها مصالح إيرانية، وأن ترسل معلومات عن بلادنا غير موضوعية..

على أي حال هي لن تؤدي إلى أي نتيجة، لأن مواطننا يدرك جيداً مواقع الخطر ضد بلاده، ويدرك أن ما تنفّذه الحكومة في بلاده غير متوفر في أي بلد عربي..

من تلك الآراء العجيبة الغريبة ما ذكره موقع الكتروني - بالتأكيد يموّن شرقاً خارج العالم العربي - من أن هناك تنسيقاً سعودياً إسرائيلياً ضد إيران.. هذا الكلام لن يسيء إلى المملكة بقدر ما هو يسيء إلى من يقفون خلفه عبر أهداف تستهدف زعزعة العالم العربي وبالذات الوجود الخليجي..

هناك دول لديها تمثيل دبلوماسي مع إسرائيل، والمملكة لم تفكر في أي يوم بوجود هذا التمثيل.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى نعرف أن المملكة هي الآن الأكثر تبنياً لمعالجة الوضع الفلسطيني الراهن ورفض خطوات توسع الاحتلال..

الطريف في الأمر حين تعود إلى تاريخ المسلكية السياسية العربية تجد أنها لم تنفّذ في أي بلد عربي آخر.. أعني اختيار معظم الرؤساء التاركين لبلادهم البقاء في المملكة، ومعه أن ذلك ليس محدوداً بدول معينة لها خصومات مع المملكة.. الصحيح هو العكس، فتونس علاقاتها مع المملكة قبل وصول رئيسها إلى جدة وبعد وصوله هي جيدة ونقية.. نفس الشيء عندما أثير صخب مفتعل عندما قام الرئيس اليمني بزيارة للمملكة.. وتستغرب إذا كان قادماً من بلاده التي كان رئيسها فكيف ترفضه أو تعتقله المملكة.. كذلك السودان قبل سنوات ليست بالطويلة.. أيضاً بلد أفريقي أتى رئيسه عيدي أمين ولم يمثّل الأمر خصومة مع ذلك البلد.. بل نعود إلى موضوع آخر يحاول هؤلاء ترويج أكاذيب فيه عندما يقولون إن المملكة تعاونت سراً مع إسرائيل لتتوفر هزيمة مصر، هذا الكلام في منتهي السخف، فرغم أن عبدالناصر بعث ب 50 ألف قدرة عسكرية إلى اليمن بادعاء مساندة النظام الجمهوري الجديد، لكن الذي حدث هو أن اليمنيين لم يتجهوا إلى تطوير أوضاعهم؛ وإنما اتجهوا إلى جنوب المملكة في محاولات احتلاله.. ومع ذلك فإن الملك فيصل لم يذهب في مسار عداوات، وإنما - وبالذات في مؤتمر الخرطوم بعد الحرب مع إسرائيل - كان هو زعيم الدولة الوحيد الذي تعامل مع عبدالناصر بأخوة مثالية واستمرت حتى نهاية عهد حسني مبارك.. نماذج ليست بالقليلة.. الفارق هنا أن المملكة تلتزم بأخلاقية حضارية وإنسانية، في حين أن الدول العربية تلتزم بظروف خصومتها الراهنة مع زمن هجرة من كان يرأسها..

أجزم أن التهريج المتواصل ومحاولة إقحام المملكة في مفاهيم متدنية لن يكذّبه الواقع السياسي الراهن فقط، ولكن سوف يكذّبه الوعي الأخلاقي والتاريخي أيضاً بحقائق اختلاف السلوكيات ومظاهر إيجابيات الاستقرار.