بركات شلاتوة

العنف الذي تشهده تونس، ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج عامين من غض الطرف عن مجموعات متطرّفة تكفيرية، أخذت تتوسّع وتنتشر في أوساط الشباب، من دون التحرك رسمياً على هذا الجانب، ما ساعد على تقوية هذه الجماعات واشتداد عودها، إلى أن وصلت إلى ما هي فيه اليوم من ممارسة الترهيب والترويع وامتلاكها لأسلحة ومجموعات مسلّحة تصدّر الإرهابيين ل ldquo;الجهادrdquo; بشتّى أشكاله في غير مكان .

لذلك رأينا أن جماعة ldquo;أنصار الشريعةrdquo; أشعلت تونس من القيروان إلى العاصمة بعد أن منعتها السلطات من إقامة تجمّع لها في المدينة، فبعد أن اقتصر وجودها في البداية على تنظيم مهرجانات وrdquo;خيم دعويةrdquo;، أخذت تتمدد وتوسّع ldquo;أنشطتهاrdquo; بفرض تعاليمها على بعض التجمعات وبتسيير دوريات الشرطة الدينية في الأحياء، وممارسة القتل بمزاعم إقامة الحد، إلى أن وصلت إلى مواجهة مباشرة مسلّحة مع القوى الأمنية كما جرى خلال الأسابيع والأيام الماضية في جبل الشعانبي . وإذا لم تقم الدولة بواجبها وتضع حداً لأصحاب الفكر المتطرّف، فقد نرى في الأيام المقبلة تفجيرات دموية في قلب المدن التونسية، لا سمح الله، خاصة بعدما أطلق ldquo;أنصار الشريعةrdquo; هتافات وتصريحات تكفّر الدولة والحكومة، وتستنكر نمط الحياة في تونس وانفتاح المجتمع .

ما يثير التساؤل والاستغراب في آن، هو أين كانت هذه المجموعات قبل الثورة؟ ولماذا لم يكن لها أي وجود أو أثر من قبل؟ خاصة في ظل ما يعرف عن المجتمع التونسي من انفتاح وحرية يتميّز بها عن مجتمعات عربية أخرى؟ هذا يؤكد أنها بدأت وتوسعت وانتشرت بعد الثورة في ظل غض التطرف عنها من قبل الحكومة، ونستذكر حادثة جامع الزيتونة العام الماضي، بعد أن حاصرت السلطات المطلوب رقم واحد ldquo;أبو عيّاضrdquo; زعيم المجموعات السلفية التونسية داجل الجامع ثم ldquo;هروبهrdquo; من دون أن يتم توقيفه، وتبع ذلك بأيام حضوره فعاليات في قلب العاصمة من دون أن تستطيع القوى الأمنية اعتقاله .

ادعاءات ldquo;أنصار الشريعةrdquo; بأنها حزب سياسي ومن حقها العمل مثل كل الأحزاب الأخرى لن تنطلي على أحد، لأن العمل السياسي يجب أن يقتصر على السياسة وليس العنف والترهيب واستهداف الدولة ومؤسساتها وشعبها على اعتبارات تكفيرية، وتكوين جيش من المسلحين هدفه النظام والدولة . فالعنف بالتأكيد بحاجة إلى خلع قفازات الحرير والضرب بيد من حديد على كل من يحاول العبث بالبلاد ومستقبلها .

لذلك على الحكومة المسارعة إلى محاربة أصحاب الفكر المتطرف واقتلاعهم ومحاصرتهم في كل مكان، غير ذلك يترك تونس للمصير المجهول ويهدد بتحوّلها إلى كتلة لهب مشتعلة بنار التطرّف ويعيدها مئات السنين إلى الوراء .