محمد السعيد ادريس

أغلب الذين اطلعوا على ردود الفعل الغاضبة لوزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون، بشأن التأكيدات الروسية بإتمام صفقة بيع ldquo;صواريخ إس 300rdquo; لسوريا، أدركوا أنها تصريحات ldquo;العجزrdquo; أكثر منها تعبيراً عن يقين بالقوة . فقد نقلت الإذاعة الرسمية عن يعلون قوله إن ldquo;ldquo;إسرائيلrdquo; تعلم ما عليها القيام به، في حال سلمت روسيا أنظمة دفاع جوي إلى سورياrdquo;، وأردف: إن ldquo;تسليم الصواريخ لم يتم وآمل ألا يتم، لكن إذا وصلت للأسف إلى سوريا فسنعرف ما علينا القيام بهrdquo;، ملمحاً بذلك إلى غارات جوية جديدة يمكن أن تنفذها ldquo;إسرائيلrdquo;، كما حصل في مطلع شهر مايو/ أيار الماضي بالقرب من دمشق، واستهدفت تلك الغارات، بحسب مسؤولين ldquo;إسرائيليينrdquo; عمليات نقل أسلحة إلى ldquo;حزب اللهrdquo; اللبناني .

ما يؤكد حقيقة أن هذه التصريحات تعكس إدراك ldquo;إسرائيلrdquo; الضعف والخطر والارتباك سرعة إصدار بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان أوامر صريحة لوزرائه بعدم التعليق حول سوريا وموضوع الصواريخ الروسية . وكشفت الإذاعة الرسمية للكيان أن هذه الأوامر صدرت بعد سلسلة تصريحات لوزير الدفاع موشيه يعلون، ما دفع نتنياهو إلى ذلك هو وعيه بأن الصدام هذه المرة في حالة تنفيذ تهديدات يعلون، سيكون مع روسيا مباشرة وليس مع النظام السوري، وأن التورط ldquo;الإسرائيليrdquo; في الأزمة السورية من شأنه أن يعطي للنظام السوري، مدعوماً من إيران وحزب الله، ذريعة إحياء الأوضاع المجمدة على جبهة الجولان، خصوصاً بعد أن امتلك النظام السوري شجاعته وفتح النار على آلية للجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; في الجولان ldquo;رداً على نشاط الجيش ldquo;الإسرائيليrdquo;rdquo;، وهو الأمر الذي اعترف به رئيس الأكان ldquo;الإسرائيليrdquo; بني غانتس الذي كشف أن ldquo;دورية للجيش ldquo;الإسرائيليrdquo; كانت تسير بوضوح بالقرب من السياج، تعرضت لنيران سورية ثلاث مراتrdquo; .

موقف نتنياهو استهدف التهدئة مع روسيا لعلمه أن القرار الروسي ليس موجهاً مباشرة ضد الكيان، ولكنه موجه للموقف الأوروبي الذي اتخذ قراراً برفع حظر إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية، وكان مفاجئاً للقيادة الروسية وحتى للاجتماع الثلاثي الذي عقد في باريس بين وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة وفرنسا . وجاء الرد الروسي على هذا القرار بإعلان سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية أن بلاده لن تلغي خططاً لتزويد سوريا بصواريخ ldquo;إس 300rdquo; الحديثة المضادة للطائرات ldquo;لأن هذه الصواريخ ستمنع بطرق عديدة بعض المتهورينrdquo;، حسب قول ريابكوف . والمقصود بالمتهورين هنا الدول الغربية التي تفكر بالتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر في سوريا .

وقرار التهدئة الذي أراده نتنياهو يستهدف التحرك على مسارين، أولهما حسم الخيار الاستراتيجي ldquo;الإسرائيليrdquo; في الأزمة السورية بالانحياز إلى خيار إسقاط نظام بشار الأسد، لأن بقاء النظام في ظل منظومة التسليح الروسية الجديدة التي يشار إلى أنها تتضمن منظومة صواريخ ldquo;إس 300rdquo; القادرة على التصدي للطائرات على بعد مئة كيلومتر، وللصواريخ بعيدة المدى، وتخشى ldquo;إسرائيلrdquo; أن تكون الصفقة التي ستحصل سوريا عليها من طراز ldquo;سام 10rdquo; القادرة على ضرب الطائرات ldquo;الإسرائيليةrdquo; ليس فقط فوق لبنان وسوريا، وإنما أيضاً عند إقلاعها من أي مطار داخل أراضي فلسطين المحتلة، والصفقة، ربما تشمل 144 صاروخاً إضافة إلى 50 صاروخاً بحرياً متطوراً من طراز ldquo;ياخونتrdquo; وعشرات الرادارات، وغيرها من الأجهزة التجسسية المتطورة .

بهذه الأسلحة، وربما غيرها إذا ما تطورت الأحداث ووجدت روسيا نفسها مضطرة للدخول كطرف مباشر فيها، سيكون بمقدور سوريا تحقيق توازن الردع مع الكيان الصهيوني، وهذا أمر لا يمكن القبول به، لذلك فإن خيار إسقاط النظام في سوريا من دون تردد أخذ يفرض نفسه من دون مقارنة بمخاطر الخيار البديل، متمثلاً في نظام ما بعد الأسد بكل غموضه ومخاوفه .

إسقاط نظام الأسد لن يحقق هدف القضاء على نظام يمكن أن يكون مصدراً للتهديد فقط، ولكن سيضع نهاية حتمية لمحور طهران دمشق حزب الله، حسب تقديرات كل من رئيس مجلس الأمن القومي ldquo;الإسرائيليrdquo; (2003 - 2005) اللواء احتياط جيورا أيلاند، ورئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) الأسبق، رئيس معهد بحوث الأمن القومي حالياً اللواء احتياط عاموس يادلين .

أما المسار الثاني فهو العمل على تجميد جبهة الجولان بشتى الطرق، للحيلولة دون جعل هذه الجبهة مخرج بشار الأسد من صراعه الداخلي، فالتسخين السوري المتعمد حالياً لجبهة الجولان لم يأت كرد فعل على استعدادات ldquo;إسرائيليةrdquo; مكثفة لإعادة تسليح المستوطنين في مستعمرات الجولان المحتل، ولا المناورات المكثفة لخوض حرب محتملة، ولكنه جاء مدروساً بناء على تحذيرات بفتح جبهة حرب جديدة ضد ldquo;إسرائيلrdquo; في الجولان إذا لم يتم وقف تدفق السلاح والمسلحين إلى داخل سوريا . التهديد بذلك جاء على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي أعلن أن سوريا ldquo;يمكن أن تفتح جبهة جديدة ضد كيان الاحتلال في الجولان إذا لم يتم ضبط الحدود من قبل الدول المجاورة، ومنع تهريب السلاح والمقاتلين إلى الأراضي السورية عبرهاrdquo; .

المسؤول الإيراني قدم مبررات جديدة لتدخل إيراني مباشر في الأزمة السورية تحت غطاء حماية المراقد المقدسة في سوريا التي تتعرض لاعتداءات، أو يحتمل أن تتعرض لخطر الاعتداء من جانب بعض فصائل المعارضة، معتبراً أن حماية هذه المراقد والعتبات المقدسة ldquo;مهمة على صعيد العالم الإسلاميrdquo; .

الاستنتاج ldquo;الإسرائيليrdquo; المهم من هذا كله عبّر عنه بوضوح إليكس فيشمان، المعلق العسكري لصحيفة ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo; بقوله: ldquo;إن المصلحة ldquo;الإسرائيليةrdquo; العليا تكمن في الامتناع بأي ثمن عن (بقاء) المواجهة العسكرية مستمرة مع سورياrdquo; . الدافع لذلك هو أن ldquo;انتشار الفوضى قد يؤدي إلى انتقال الإرهاب إلى الحدود ldquo;الإسرائيليةrdquo; عبر منظمات يحركها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وجهات أخرى، الأمر الذي قد يجرّ ldquo;إسرائيلrdquo; إلى حرب لا ترغب فيهاrdquo; .

رغم ذلك يبقى السؤال:

كيف يمكن ل ldquo;إسرائيلrdquo; أن تعجّل برحيل نظام الأسد؟ هل التورط المباشر يمكن أن يكون أحد الخيارات؟ أم أن الضغط في اتجاه التدخل الدولي المباشر وتسليح مفتوح للمعارضة يمكن أن يكون الحل الأسلم؟ وكيف يمكن التعامل مع ldquo;الفيتوrdquo; الروسي الصيني المحتمل ضد أي تدخل من هذا النوع؟ وهل ldquo;إسرائيلrdquo; في موقف يمكنها من خسارة روسيا والوقوف بوجه مصالح روسية مباشرة؟

أسئلة خطيرة ومعقدة مازالت من دون إجابات، ولعل الصمت الذي أوصى به نتنياهو للالتزام به يمكن أن يكون الإجابة الأفضل، مع غياب الإجابات الاستراتيجية في وقت عادت فيه مرتفعات الجولان بعد عقود طويلة لتفرض نفسها على الأمن ldquo;الإسرائيليrdquo;، لتجد ldquo;إسرائيلrdquo; نفسها أمام تحديات غير محسوبة وغير متوقعة على الجبهتين المصرية في سيناء، والسورية في الجولان .