راغدة درغام

تستطيع الأسرة الدولية أن تتلقى التهاني كالتي تلقّاها laquo;حزب اللهraquo; من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة سقوط مدينة القصير السورية ذات الأهمية الاستراتيجية للأهداف الإيرانية ولنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ليت روسيا كانت وحدها المؤهلة للمباركة بسقوط القصير في أيدي حليفها السوري والإيراني واللبناني المتمثل في قيادة الحزب الشيعي، الذي سخَّر laquo;مقاومتهraquo; لخدمة بقاء النظام في دمشق. الولايات المتحدة أيضاً تستحق التهنئة، ومعها كامل أعضاء حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. مجلس الأمن برمته يستطيع أن يتلقى التهاني، ومعه أيضاً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فجميعهم تخاذل واكتفى بإجراءات رفع العتب المتأخّرة، فيما كان يشهد على معركة يعرف تماماً معنى انتهائها بانتصار المحور الإيراني/ الروسي/ الصيني/ نظام الأسد/ laquo;حزب اللهraquo;، فالأسرة الدولية قرّرت مشاهدة المجازر وضحايا القصف الجوي، من أطفال ونساء ورجال، رافضة رفع صوتها بما يُسمّع أو يُذكر. حتى عندما توافرت لديها الأدلة على استخدام الأسلحة الكيماوية، فضّلت الأسرة الدولية ألاّ تلقي باللوم على أي من أطراف النزاع في سورية، النظام وحلفائه في محور الممانعة أو المعارضة وحلفائها في المحور المتفكك والعائم، الذي يضم دولاً غربية وتركيا ودولاً عربية، جميعها يستحق أحرّ التهاني على سقوط القصير، لأنه ساهم حقاً في سقوطها، بضمير حي أو بضمير ميت. ما حدث في القصير هو مسؤولية دولية، لأن الجميع هرب إلى الأمام، متظاهراً بأن ليس في اليد حيلة. إنها وصمة عار على ضمير مجلس الأمن الدولي وجبينه، هو الذي بات شاهداً راضياً على المجازر في سورية، يتظاهر بأنه في انتظار الحل السلمي، ذلك الحل الزئبقي الذي يُطبَخ بين الثلاثي الماهر laquo;أميركا- روسيا- (الممثل الأممي والعربي) الأخضر الإبراهيميraquo; لإيجاد آلية اتفاق وتسلسلية تنفيذ لما سبق ولاقى إجماع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن قبل سنة في اتفاق جنيف. أسوأ من مجلس الأمن لربما، أولئك في laquo;الأسرة العربيةraquo;، بما فيها جامعة الدول العربية، الذين لسان حالهم العجز واللجوء إلى مجلس الأمن اختباءً في ظل عجزه، وأسوأ أفراد تلك laquo;الأسرةraquo; أولئك الذين شجعوا المعارضة السورية بشقّها المتطرف وأضعفوا شقّها المعتدل، ثم تخلّوا عن الشقّين معاً، خوفاً من محاسبة الغرب لهم عملياً على دعم laquo;جبهة النصرةraquo; وأمثالها من laquo;القاعدةraquo;. فماذا الآن؟ وهل محطة القصير حقاً مصيرية والخاتمة؟

laquo;حزب اللهraquo; حقق انتصارين رهن الخسارة:

القصير، ذات الانتصار المبلل بالنقمة، وكذلك بالفتنة، التي تورّط الحزب وورّط فيها الطائفة الشيعية في لبنان.

وإلغاء الانتخابات النيابية اللبنانية، laquo;الإنجازraquo; الذي يأتي وسط انهيار هيبة الدولة والحزب معاً، يرافقه laquo;تعريةraquo; المقاومة، في استخدامها لغايات لا علاقة لها بإسرائيل واحتلالاتها.

لبنانياً، كان واضحاً بالحساب والأرقام أنه لو تمّ إجراء الانتخابات النيابية في موعدها هذا الشهر، لخسر laquo;حزب اللهraquo; الانتخابات خسارة فادحة، وهذا يعني أنه يخسر بذلك تشكيل الحكومة الجديدة، ويفقد سيطرته ndash;قبضته- القاضية على البلد. وبلغة الأرقام، وطبقاً للحساب، لم يكن في وسع laquo;حزب اللهraquo; الفوز في الانتخابات ليس فقط لأن الآلاف من رجاله كانوا يقاتلون في سورية بهدف الانتصار في معركة القصير تحديداً، وهؤلاء (بين 10 و15 ألفاً) لم يكونوا ليصوتوا في الانتخابات، ولكن أيضاً لأن الأصوات التي كان laquo;حزب اللهraquo; يأتي بها من الشيعة في سورية على متن laquo;الباصraquo; للاقتراع، لم تكن لتتوافر بسبب الحالة السورية.

بالأرقام وبالحساب، لم يكن في وسع laquo;حزب اللهraquo; الفوز بالانتخابات، ولذلك عزم على إلغائها بالتخويف وبالتهديد بنسف الاستقرار.

عباقرة المعارضة اللبنانية المتمثلة في تجمّع 14 آذار، أسرعوا إلى تقديم هدية التمديد الشنيع لمجلس النواب لسنة ونصف بلا تفكير أو مقابل. هم اشتروا laquo;الاستقرارraquo; بدفعة مسبقة، تستراً من التهويل. هكذا قدّم عباقرة 14 آذار إلى laquo;حزب اللهraquo; وشركائه في تجمع 8 آذار، هديةَ إعفائه من الخسارة في الانتخابات، وحجبوا عن أنفسهم فرصة الفوز واستعادة زمام المبادرة واستعادة الحكومة.

الآن، الصورة واضحة تماماً: حقق laquo;حزب اللهraquo; فوزه بالانتخابات من دون أن يخوضها، فيما كانت خسارة الانتخابات واضحة له وضوح الشمس. اشترى الوقت الذي يلائمه ويتماشى مع الروزنامة العسكرية السورية، لأنه واثق من الانتصار العسكري لحليفه نظام دمشق، ومن أن رئيس ذلك النظام بشار الأسد باقٍ في السلطة بلا عملية سياسية انتقالية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية في سورية بعد سنة. أبقى على حكومة تصريف أعمال تناسبه، وأضعف الرئيس المكلّف تأليف حكومة جديدة تمّام سلام، الذي فشل في استخدام الزخم الذي رافق تعيينه وسقط في دوّامة فرّغته من القدرات الضرورية لإمساك المرحلة وإمساك البلاد. خلق الحزب بيئة في البرلمان والحكومة والطبقات السياسية تمكِّنه لربما لاحقاً من إسقاط رئيس الجمهورية ميشال سليمان عندما يحين موعد التمديد له.

وهكذا... وبضربة معلّم، ومساهمةٍ ثمينة من 14 آذار، تمكن laquo;حزب اللهraquo; من امتلاك البلد، وجزء من الفضل في ذلك عائد إلى تزعزع قوى 14 آذار وفزعها، فهي تستحق التهنئة على laquo;إنجازraquo; حزب الله، وغدت الآن كالذي بتر قدميه وهدد بالركض في سباق.

وعلى الرغم من كل هذا، فإن انتصار laquo;حزب اللهraquo; في هذه المعركة ليس في صالحه، لأنه سيهيمن على بلد نصف شعبه على الأقل لا يثق به ولا يريده بحلّته الاستقوائية، هذا في أفضل الحالات، أما في أسوئِها، فإن رهن laquo;حزب اللهraquo; لبنان ووضعه في خدمة إيران، ليس أمراً ثابتاً أو دائماً بالضرورة، وبالتالي لن يكون رهانه ضد نصف الشعب اللبناني على الأقل، بل ثلاثة أرباعه على الأصح، سوى مشروع للنقمة والفتنة، فلقد بات laquo;حزب اللهraquo; طرفاً في الحرب السورية، بل في حرب مذهبية، ولم يعد عنواناً للمقاومة ضد إسرائيل كما سبق وزعم. ثم إن أسوأ ما يقدمه laquo;حزب اللهraquo; في حلّته الجديدة هو ما يقدمه للطائفة الشيعية، التي يورّطها في سورية وفي لبنان على السواء.

حالياً، يحتفي laquo;حزب اللهraquo; بانتصاريه في لبنان وفي القصير السورية، ويشعر أنه دخل حرباً وفاز بمعركة، وهذا يترك زهواً وثقة بالنفس، سيما وأن الأسرة الدولية شجّعته على الانتصار في ما صوّرته -وصوّره- حرباً على laquo;القاعدةraquo; و laquo;جبهة النصرةraquo; وأمثالها من التكفيريين.

لكن الانزلاق في مستنقع سورية يبقى هدفاً ينصبه الغرب -وفي مقدمه الولايات المتحدة وإسرائيلndash; لـ laquo;حزب اللهraquo;، وكلاهما جزء من تلك الأسرة الدولية التي شجعت الانتصار في القصير وسمحت به، وهكذا يصبح انتصار laquo;حزب اللهraquo; في القصير رهن الخسارة.

أما في ما يتعلق بإيران في معادلة القصير وما بعدها، فإن هناك مدرستين:

إحداهما تقول إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يرى في سورية laquo;فيتنامraquo; إيران، ولا يمانع في استنزافها هناك، حتى على أيدي laquo;القاعدةraquo; وأمثالها.

والمدرسة الأخرى تصر على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان تحقيق laquo;الهلال الشيعيraquo;، الذي يربط إيران وإسرائيل عبر laquo;حزب اللهraquo; في لبنان، ويعزز العلاقة التهادنية التاريخية بينهما، والتي تخدم هدفهما المشترك: تقزيم العرب في الموازين الإقليمية في الشرق الأوسط.

لعل الهدفين معاً هما المطلوب: المستنقع و laquo;الفتنةraquo;، وكذلك هلال التهادنية، وبالتالي كان لا بد من السماح بسقوط القصير في أيدي محور الممانعة.

وهناك رأي بأن الخطة الأميركية وراء إعطاء روسيا موقع القيادة في الورطة السورية، تقضي باستدراجها إلى المستنقع السوري بعد laquo;أفغنتهraquo;، فكما في أفغانستان سقط الاتحاد السوفياتي، لربما في سورية تسقط روسيا، بالرغم من ثقتها العارمة اليوم بأنها منتصرة وتأخذ زمام القيادة بمباركة أميركية.

إنها السياسة! إنها استراتيجية الانسحاب والاستدراج.

واشنطن ربما ترى أن من مصلحتها الإيحاء لموسكو أن روسيا فائزة في المعركة السياسية في الحرب السورية، داخل مجلس الأمن كما خارجه، ولذلك ترضخ الديبلوماسية الأميركية للإملاء الروسي ولا ترفع إصبعاً في مجلس الأمن، وتتراجع الإدارة الأميركية أمام المطالب الروسية وتتوقف عن المطالبة بتنحي بشار الأسد وتعمل على مؤتمر laquo;جنيف-2raquo;.

واضح أن السباق بين السكة العسكرية والسكة السياسية من حرب سورية مستمر ويستعر، وقريباً سنسمع أن الغرب قرر تمكين المعارضة المسلحة المعتدلة من التزود بالسلاح لأجل قلب الموازين العسكرية، تماماً كما سارعت روسيا وإيران إلى تمكين قوات النظام و laquo;حزب اللهraquo; من قلب الموازين العسكرية في القصير... وهكذا يتم تمزيق سورية بمساهمة جميع اللاعبين، بمستويات مختلفة.

المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من ذلك laquo;التوازنraquo; أو استعادته، فيما مجلس الأمن الدولي سيبقى محيّداً قابعاً في ظل تفريغه من السلطة والهيبة. سيستمر علك الكلام الأميركيndash; الروسي- الأمميndash; العربي عن مؤتمر دولي لن يجدي، وستستمر المعارك الضارية امتداداً للاستيلاء على مواقع مهمة للربط بين إيران ولبنان عبر سورية بعد سقوط القصير، والهدف هو الربط بين الحليفين الإيراني والإسرائيلي.

أخطر ما يمكن أن تتورط فيه المعارضة السورية المسلحة هو نقل معاركها من سورية إلى لبنان مهما كانت حججها قائمة على ضرورة محاربة laquo;حزب اللهraquo; في عقر داره بعدما أتى إليها لمحاربتها في عقر دارها. إنها بذلك تحفر لنفسها مستنقعاً وورطة تلهيها عن أهدافها الأساسية الرئيسية داخل سورية.

كلام رئيس أركان laquo;الجيش السوري الحرraquo; اللواء سليم ادريس، عن محاربة laquo;حزب اللهraquo; داخل لبنان لأن laquo;مقاتلي حزب الله يغزون سورية ولا تفعل الحكومة اللبنانية شيئاً لوقفهمraquo;، يشكل موقفاً يشبه إطلاق النار على قدميه، فـ laquo;الجيش السوري الحرraquo; ليس في حاجة إلى عداء وغضب جميع اللبنانيين لقيامه بعمليات داخل لبنان مهما برّر أن البادئ كان laquo;حزب اللهraquo; في بلاده، وهو كلام سيكون مرفوضاً، وسيمحو أي تعاطف وتضامن بين قسم من اللبنانيين والمعارضة السورية، فليكن الانتقام داخل سورية طالما laquo;حزب اللهraquo; هناك، وليكن التركيز على المعركة السورية ndash; السورية من أجل سورية.