الياس حرفوش

الثلاثاء ٢٥ يونيو ٢٠١٣لم نكن بحاجة إلى الأحداث الأليمة التي تقع اليوم في صيدا لنتذكر أن الدولة عندما تساوم الآخرين على السيادة على أرضها، فهي لا تفعل سوى فتح الطريق أمام استقواء قوى مسلحة خارجة عن القانون على الدولة، ومنافستها على السلطة وإتاحة المجال أمام حمل السلاح في وجه القوى الشرعية، التي يفترض أن تكون وحدها مكلفة بحماية البلد وبصيانة أرواح المواطنين.

لا يناقش أحد في حق الجيش اللبناني في الدفاع عن نفسه بعد الاعتداء الذي تعرض له في صيدا أمس وأول من أمس وأدى إلى استشهاد عدد كبير من ضباطه وعناصره وجرح آخرين. كما لا تناقَش الدولة في حقها في بسط سيادتها على مجموعة تقيم laquo;مربعاً أمنياًraquo; خاصاً بها فوق الأرض اللبنانية. فهذا أبسط واجبات الدولة تجاه مواطنيها. غير أن الخلل في التعامل، الذي يوحي باشتداد عود الدولة في وجه فريق من المواطنين، فيما تتراخى أمام آخرين تحت حجج وذرائع مختلفة، هذا الخلل لا يقل ضرره على المؤسسة العسكرية وعلى البلد بكامله من الاعتداء الذي تعرض له الجيش في صيدا.

لقد أدى تصوير الجيش ظلماً على أنه لفريق ضد آخر في بدايات الحرب الأهلية عام 1975 إلى انهيار المؤسسة العسكرية وإلى الانهيار المديد الذي أصاب لبنان وكل مؤسساته. وكل العناصر التي دفعت إلى ذلك الانهيار موجودة اليوم، وإن بأسماء أخرى. كان الفلسطينيون قد تحولوا آنذاك إلى قوة مسلحة تفوق قدراتها قدرات الدولة، وتتمتع بالحصانة السياسية والعسكرية انطلاقاً من laquo;فتح لاندraquo; لتفعل ما تشاء. وبذريعة laquo;المقاومةraquo; التي لم يكن قد بقي منها سوى بضعة قذائف laquo;كاتيوشاraquo; تطلق من وقت إلى آخر من العرقوب لتذكير اللبنانيين بوجودها. وبسبب عمق الانقسام الطائفي، أدى ذلك الوضع الشاذ إلى عجز الجيش عن مواجهته، بعدما تم منعه بقرار سياسي من وقف ذلك التمدد على حساب سلطة الدولة وصلاحياتها. وانتهى الأمر إلى تسلح فئات لبنانية بحجة استعادة تلك السلطة وحماية السيادة، واستخدمت لذلك صفة laquo;القوات اللبنانيةraquo; التي يفترض أن يكون استخدامها حقاً حصرياً للقوى الشرعية.

ما نشهده اليوم لا يختلف كثيراً عن ذلك الوضع، وإن اختلفت الأسماء والمواقع. فقد تراجعت الدولة عن مسؤولياتها أمام laquo;المقاومةraquo; في عدد كبير من المناطق. ومثل laquo;فتح لاندraquo; صار عندنا laquo;حزب الله لاندraquo;، يتنقل من الجنوب إلى الضاحية الجنوبية لبيروت إلى بعض مناطق البقاع، وصولاً إلى عمق عدد من المناطق المسيحية تحت حجج وأسماء مختلفة، ما يذكّر بالتمدد السياسي والعسكري الذي مارسته المقاومة الفلسطينية تحت أسماء وشعارات laquo;الأحزاب الوطنية والتقدميةraquo; التي راجت في ذلك الزمن.

وكما لم يبقَ من laquo;المقاومةraquo; الفلسطينية إلا الاسم بعد أن تحولت همومها إلى الداخل اللبناني وباتت عبئاً على الدولة وعلى المؤسسات، هكذا تحولت laquo;مقاومة حزب اللهraquo; إلى عبء مماثل، بعدما أدى شل عملها في الجنوب بفعل التزامها بوقف إطلاق النار مع إسرائيل إلى تحوّل سلاحها إلى قوة تؤثر في التوازنات المذهبية في الداخل اللبناني، وتشارك اليوم في الحرب الأهلية السورية لنصرة النظام على معارضيه. وتم اختراع الشعار المضلل laquo;الجيش والشعب والمقاومةraquo; لوضع laquo;حزب اللهraquo; في موقع مساوٍ للجيش من حيث القوة المعنوية وحق السيادة والتصرف، فأدى ذلك إلى تعطيل دور الجيش ومنعه من القيام بواجباته في المناطق الخاضعة لسيطرة laquo;حزب اللهraquo;.

والمرجو الآن أن تكون مواجهات صيدا قد دقت جرس إنذار: إن وضع البلد لا يستقيم عندما يتحقق الأمن بالتراضي في مكان، وبالقوة في مكان آخر. كما أن الرد على أي اعتداء يتعرض له الجيش يجب أن يكون بالقسوة نفسها، سواء وقع هذا الاعتداء في laquo;منطقةraquo; أحمد الأسير في عبرا أو ... في laquo;منطقة حزب اللهraquo; في بلدة سجد في الجنوب اللبناني.