سطام عبدالعزيز المقرن
تتأول بعض الجماعات الإسلامية وخاصةً في أوقات المحن والحروب تفسير نصوص الأحاديث بشكل تعسّفي لإثبات أن ما يحدث الآن في العالم هو ما أخبرنا عنه الرسول الكريم، وذلك بهدف الحصول على التأييد الشعبي لهم
ليس الهدف من هذه المقالة، الخوض في مناقشة متن وسند الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بعلامات وأشراط الساعة وظهورها في آخر الزمان، أو الخوض في اختلافات علماء المسلمين في تفسير هذه الأحاديث واختلافهم أيضاً في صحتها، ولكن الهدف هو توضيح التوظيف السياسي لها من بعض جماعات الإسلام السياسي، مستغلةً في ذلك تفشي التفسيرات الأسطورية للنصوص الدينية في المجتمعات العربية.
وظاهرة استغلال النصوص الدينية في المجال السياسي ليست قاصرة فقط على المسلمين كما يبدو للبعض، بل نجدها في كثير من الأديان الأخرى، ومن ذلك على سبيل المثال استغلال رجال الدين اليهود لأسطورة quot;المخلّص بن يوسفquot;، الذي يجمع اليهود في فلسطين خلال حرب quot;يأجوج ومأجوجquot; السابقة ليوم القيامة، فيقيم مملكة اليهود ولكنه لا يقيم شريعة التوراة، ليأتي بعده quot;المخلص بن دايفدquot;، الذي سيقيم الشريعة ومملكة الرب على الأرض، ويكون الخلاص النهائي على يديه وذلك حسب ما جاء في تراث الديانة اليهودية، وعليه يتم استغلال مثل هذه النصوص في قمع الفلسطينيين (الأغيار) وفي التوسع الاستيطاني وتوسيع نطاق الوجود اليهودي قدر الإمكان، وإعطاء المشروعية لها، بالإضافة إلى السعي في إفشال جهود السلام، فيعتبرون أية اتفاقية للسلام بمثابة اغتيال للمخلّص ووقف عملية الخلاص.
وعلى نفس منوال رجال الدين اليهود المتطرفين، تقوم بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة وخاصةً في أوقات المحن والحروب، بتأويل وتفسير نصوص الأحاديث وبشكل تعسّفي لإثبات أن ما يحدث الآن في العالم هو ما أخبرنا عنه الرسول - عليه الصلاة والسلام -، وذلك بهدف إضفاء المشروعية على أعمالهم، والحصول على التأييد الشعبي لهم.
فيوهمون الناس بأنهم هم الفئة المنصورة التي سوف تقضي على الباطل، وهم الذين يملكون خطاب الحقيقة وحدهم، وهم من بشر بهم رسول الله في آخر الزمان، لذا يجب اتباعهم ودعمهم بالأموال وبالأنفس، ومن يحاربهم فكأنما يحارب الله ورسوله ويحارب الإسلام، ومن خلال ذلك يتم تحقيق أهداف ومصالح سياسية باسم الدين.
ومن الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها في هذا المقام، عن كيفية استغلال البعض للنصوص الدينية في المجال السياسي، ما جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: quot;اعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاًquot;.
والشاهد في الحديث النبوي السابق: quot;ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفرquot; مع ربطه مع حديث آخر في قوله عليه الصلاة والسلام: quot;ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم.. الحديثquot;.
وقد استغلت هذا النصوص في حربي الخليج الأولى والثانية، وكذلك في الحرب الأخيرة في ليبيا، وطبعاً المقصود هنا ببني الأصفر حسب مفهوم بعض الجماعات الإسلامية quot;الولايات المتحدة الأميركية وأوروباquot;.
واليوم يستخدم نفس المفهوم في الثورة السورية، حيث تم مؤخراً تداول مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، يتم ربط الحديث النبوي بالأحداث السياسية الواقعة في الوقت الحاضر، بحيث يكون المعنى أن هناك تحالفا بين المسلمين وبين أميركا وأوروبا ضد نظام الأسد وروسيا، وعليه سوف ينتصر المسلمون وحلفاؤهم الروم، ومن ثم يغدرون فيتقاتل معهم المسلمون، وبهذا الصدد يقول أحدهم: quot;وتبدأ علامات الساعة الكبرى في الظهور وكأن المسبحة قد انقطعت وبدأت الخرزات تتساقط، فيغدر الروم بعد النصر، يغدرون بالمسلمين كعادتهم، ينكثون العهد، يبدؤون بقتال المسلمين وتبدأ الملحمة الكبرى، فيقتلهم المسلمونquot;.
وبهذا يتضح أن الهدف من إسقاط نصوص الأحاديث على وقائع الأحداث بأن شرعية الحكم لن تكون لصالح المعارضة ولا لحكومة ديموقراطية منتخبة، وإنما تكون لصالح الجماعات الإسلامية في حال سقوط الأسد عسكرياً.
وعلى هذا الأساس نجد أيضاً استغلال الأحاديث السابقة وإن جاءت بصيغة مختلفة من قبل أتباع الإسلام السياسي في إيران، والتي سوف تكون بمثابة تمهيد لخروج المهدي المنتظر في آخر الزمان، وذلك بهدف دعم نظرية quot;ولاية الفقيهquot; ومشروعيتها أمام الشعب الإيراني.
هذا باختصار شديد عن كيفية الاستغلال السياسي لنصوص الأحاديث النبوية الشريفة، مستغلين في ذلك عواطف الناس وهمومهم ومشاكلهم، بحيث يستغلون أحاديث علامات يوم القيامة كبشارة للنصر في الظاهر، وتحقيق الأهداف السياسية في الباطن.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن علماء المسلمين الأوائل تعاملوا مع نصوص الأحاديث على أنها وقائع تاريخية حدثت في الماضي وقد تحدث في المستقبل كدليل على صدق نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يسقطوها على حادثة بعينها وقعت في حاضرهم، بل اعتبروا من يفعل ذلك من الفتن وليست هي المراد في الأحاديث وربما تدخل في عموم الأدلة الأخرى التي فيها ظهور الفتن وانتشار الشر بين الناس.
العديد من المجتمعات العربية والإسلامية تعاني من أزمة التهميش الفكري، ولا تستطيع العيش في قلب الحدث، ولا تستطيع فهم الأحداث السياسية في صورتها الحقيقية بسبب تجميد العقل وغياب الدراسة الموضوعية والتحليلية والتفكير المنطقي، وذلك بسبب قتل الوعي وحجب الحقائق، فوقع الناس في فخ التناقض بين الواقع الموجود والخيال والأمل المنشود، وليتأمل القارئ الكريم في قوله تعالى: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الأعراف 187، وعلامات الساعة وأشراطها قد تظهر، ولكن ربما لا نشعر بها إلا بعد حدوثها فالساعة تأتي فجأة.












التعليقات