طلعت رميح

قال أحدهم إن المالكي نجح في التأثير على مواقف أمريكا وجذبها لتؤيده وتدعمه في حربه ضد أهل الأنبار، بعد أن رفع شعار الحرب الإرهاب.. انتهت النكتة، ومرارة النكتة، إن حال أمريكا صار مذريا بائسا تحركها أصابع هنا وهناك،عند بعض الإعلاميين، حتى صار المالكي صاحب قدرة على تحريكها وتغيير مواقفها وجذبها لموقفه في الحرب على شعب العراق.
عند هؤلاء الإعلاميين، صارت أمريكا دولة تديرها وتحرك سياستها إسرائيل، ولا حول لها ومؤسساتها ولا قوة بفعل سيطرة اللوبي الصهيوني على إستراتيجياتها وسياستها، وهى دولة غير قادرة على قصف وإطاحة بشار الأسد لأنه ممانع وقوي وجبار، وحين تجرا رئيسها باراك أوباما ndash; المسكين وفق هذا الوصف - وورط نفسه وبلده في إعلان تحريك السفن والاستعداد لقصف محدود ومحدد لقوات بشار، صار أوباما يبحث عمن ينقذه من بشار الوحش الكاسر الذي يقف خلفه الإيراني ذو القوة الديناصورية المرعبة، وهنا ظهر المخلص بوتين الذي بالكاد أقنع بشار بالعفو عن أوباما المسكين.
كان بشار كريما حين نزع أسلحة بلاده الكيماوية طواعية للتدمير، لإنقاذ سمعة أوباما، وأمريكا. وفق هذا الوصف، تدهور حال أمريكا في السيطرة على العراق إلى درجة التقاط بارقة الأمل التي لوح بها نوري المالكي حين رفع شعار الحرب على الإرهاب، وجدت طوق نجاة، فتلقفته شاكرة جميل المالكي الذي أنقذ سمعتها وأعاد لها هيبتها، فلبت مطالبه بإمداده بالسلاح وعرضت تدريب قواتها خارج العراق!
بعض الناس تحلو لهم الحياة في الأوهام، أو هم يروجون للولايات المتحدة عبر خطة أشد خبثا ndash;من خطة إظهارها بمظهر المعتدي المتجبر، التي جعلت العالم يكرهها - حين يظهرونها بمظهر المغلوب على أمره، إذ يقدمون خلطة عجيبة بين خطة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها ومصالحها بلا حرب، وبين أنها لم تعد ذات قدرة.. نكتة المالكي المريرة، أراد مطلقوها أن يبرئوا ساحة الولايات المتحدة ndash; بنفس الطريقة التي يجري تبرئتها من جرائم إسرائيل - فصار المالكي هو البطل الذكي الذي يعرف كيف يوجه القرار الأمريكي لتحقيق مصلحته أو أهدافه.
وواقع الحال، أن الولايات المتحدة ضعفت قوتها وقدرتها ولم تعد مطلقة اليد في صناعة القرار الدولي، والحديث بغير ذلك انحراف في رؤية الواقع، غير أن الحديث عن أن الولايات المتحدة فقدت قدرتها وصارت ورقة في بحر يوجهها هذا أو ذاك، فهذا نمط من الخداع لا أكثر ولا أقل.
والمالكي هو في بداية ونهاية المطاف لا يستطيع البقاء في موقعه ومكانه في حكم العراق ليوم واحد، إذا قررت الولايات المتحدة إطاحته، وهو في نهاية المطاف ليس إلا حاكما جرى تعيينه من قبل الولايات المتحدة وإيران باعتبارهما دولتي احتلال العراق، والمالكي لم يفعل شيئا بإعلانه الحرب على الإرهاب، سوى أنه يقاتل ضمن إطار مصالح الولايات المتحدة وضد نفس الطرف الذي ظلت تقاتله - هي - منذ لحظة احتلالها للعراق وحتى يوم مغادرة معظم قواتها لأرضه.
والحكاية من أولها وآخرها أننا أمام محاولة لتغيير صورة الولايات المتحدة من صورة الدولة المعتدية والقاتلة والمعادية لمصالح الشعوب إلى دولة quot;نبيلةquot; تكافح الإرهاب وتدعم الديمقراطية، وأنها الدولة القوية التي يطلب الآخرون منها، في كل أنحاء العالم، أن تتدخل ضد الطغاة والقتلة من الحكام، لتستثمر هي تلك الوضعية لتحقق ما تراه في خدمة مصالحها.
والأهم والأخطر أن الحرب على الإرهاب صارت كلمة السر في دعم أمريكا للطغاة.. هذا هو البديل الأمريكي لدعم الديكتاتوريات والانقلابات العسكرية وقتلة الشعوب في الوقت الراهن.. البديل الأمريكي لدعم الانقلابات العسكرية والديكتاتوريات، أن ترفع هي الحرب على الإرهاب، فيأتي الدعم والتأييد تحت هذا quot;البندquot;.
كلمة السر هي: quot;إذا أردت أن تبقى ديكتاتورًا وأن تقتل وتقمع شعبك، وتلقى كل الرعاية والحماية الأمريكية، ما عليك إلا أن ترفع شعار الحرب على الإرهاب، وأن تصير وكيلا للولايات المتحدة في حربها على كل أشكال المقاومة لنفوذها واستغلالها، بذلك تصبح أمريكا quot;نبيلة وأخلاقيةquot; وتحافظ على صورتها بل تغير ما لحق بها من كراهية.. فيما هي.. تظل.. كما هيquot;!!