أسباب سقوط الرقة بشكل مفاجىء بيد الدولة الإسلامية hellip; العلاقة بين جبهة النصرة وrsquo;داعشrsquo; في المدينةhellip; من حلف متين إلى حرب لا تلين


وائل عصام


إستعادة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يعرف بـrsquo;داعشrsquo; لمدينة الرقة السورية بشكل مفاجىء ما زال يثير الجدل ويطرح أسئلة حرجة، فكيف تحولت جبهة النصرة في الرقة من تكتل داخل lsquo;داعشrsquo; إلى فصيل منشق قاد حربا دموية ضدها في الرقة؟ وما قصة الحضرمي قائد جبهة النصرة الذي اختطفته lsquo;داعشrsquo; وأعلنت عن إعدامه لاحقا بعد أن كان أميرا لـrsquo;داعشrsquo; في مدينة الرقة في فترة ما؟


وكيف نجحت جبهة النصرة وأحرار الشام في السيطرة سريعا على الرقة وكيف تراجعوا فجأة واستعادت lsquo;داعشrsquo; السيطرة على كامل المدينة؟ وما حقيقة الخلافات التي حصلت بين بعض الشرعيبين داخل الجبهة الإسلامية وأحرار الشام حول مدى شرعية قتال lsquo;داعشrsquo;؟ كل هذه الاسئلة تكشف lsquo;القدس العربيrsquo; عن إجاباتها من خلال تقرير من الداخل السوري ينشر على حلقين.


بعد حملة عسكرية شنتها جبهة النصرة وأحرار الشام ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأسفرت عن سيطرة التنظيمين السلفيين على كل الرقة وحصار lsquo;داعشrsquo; في مبنى المحافظة لثلاثة أيام، إنهار مقاتلو الفصيلين بصورة مفاجئة ودراماتيكية وتساقطت مواقعهم واحدا تلو الآخر، وفي غضون يومين استعادت lsquo;داعشrsquo; السيطرة على كامل مدينة الرقة وأعلنت عن إعدام أمير جبهة النصرة في الرقة أبو سعد الحضرمي المحتجز لديها منذ ثلاثة أشهر، كما أجهزت على عشرات المقاتلين من أحرار الشام بعد انسحابهم خارج الرقة باتجاه تل أبيض في أعنف عملية إعدام جماعية للأسرى بين أكبر فصيلين إسلاميين جهاديين في سوريا ولا بد من العودة الى جذور الصراع في الرقة بين جبهة النصرة وأحرار الشام من جهة وتنظيم lsquo;داعشrsquo; من جهة أخرى، والتي هي في جزء أساسي منها تعود لنزاعات بين قيادات الصف الأول في جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية lsquo;داعشrsquo;، بدأت القصة بعد شهرين من تحرير الرقة، حين أعلن أبو بكر البغدادي الدولة الإسلامية في العراق الشام وتحول كامل تنظيم جبهة النصرة لتنظيم الدولة بمن فيهم القياديين أبو سعد الحضرمي (وهو سوري من عشيرة البوعساف) وأبو دجانة وهو سوري من أبناء الرقة أيضا، تولى الحضرمي منصب أمير الدولة في مدينة الرقة وكان أبو دجانة نائبا له، وكان أبو لقمان أمير الدولة في عموم محافظة الرقة وهو (أيضا سوري).
وبعد ثلاثة أشهر وبسبب الممارسات المتطرفة للجناح المتشدد الذي يقوده أبو لقمان والذي أثار سخط أهالي الرقة والفصائل الأخرى، تصاعدت الخلافات بين الحضرمي وأبو دجانة من جهة وأبو لقمان من جهة أخرى، وبالفعل كادت أن تقع عدة صدامات بين مجموعات تابعة للحضرمي ومجموعات متطرفة من lsquo;داعشrsquo; كانت تتبع أبو لقمان.
ويروي الناشط عمر الهويدي أنه في إحدى المرات جاءت مجموعة مسلحين يعتقد أنها كانت تابعة لأبو لقمان وتمركزت أمام كنيسة الشهداء في الرقة وكانت تنوي اقتحامها، فاتصل النشطاء بالحضرمي فأرسل عدة سيارات تابعة له ووفروا حماية للكنيسة وقال أحد القادات حينها إن حماية الكنائس هي عهد على المسلمين.
هذه من الحوادث التي أكسبت تيار الحضرمي شعبية وحضورا بين النشطاء في الرقة بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم.
ويقول عمر الهويدي الناشط البارز في حديث خاص لـrsquo;القدس العربيrsquo; من الرقة، في تلك الفترة بدأت lsquo;داعشrsquo; بمحاولات لفرض أسلوب حياة متشدد فأخذت تحاول تطبيق زي شرعي للنساء كما طالبت بإغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة وغيرها من الممارسات الأصولية التي نفرت سكان الرقة منها، ولكن الأخطر كانت عمليات الخطف والترهيب والتعذيب في السجون.
فقد خطف العديد من قيادات الحراك الثوري، قادة في المجلس المحلي وصحافيون، الناشطة سعاد نوفل هددت بالقتل وخرجت، أصبحت lsquo;داعشrsquo; مكروهة بشكل كبير عند الفصائل وليس عند الناس فقط ،rsquo;عندها قرر الحضرمي وأبو دجانة توجيه رسالة احتجاج lsquo;ومناصحةrsquo; لأبو لقمان، وبالفعل ذهب أبو دجانة حاملا رسالة يطلب فيها مراجعة قيادة الدولة الإسلامية في محافظة الرقة لممارساتهم موضحا أن سكان المحافظة باتوا ينفرون ويتظاهرون ضد lsquo;داعشrsquo;.
وطلب أبو دجانة والحضرمي من قيادة lsquo;داعشrsquo; الكف عن بعض التجاوزات مثل اعتقال الناشطين وعناصر الفصائل الأخرى والكشف عن أماكن المحتجزين، وعدم التشدد في فرض نموذج إسلامي على أهالي الرقة بطريقة منفرة، كانت ردة أبو لقمان وهو أمير lsquo;داعشrsquo; في عموم محافظة الرقة عنيفة على الرسالة، إذ غضب ووبخ أبو دجانة وكان فظا في كلامه، بل وشق العريضة وطلب منه عدم التدخل في أمور لا تعنيه، ولكن المفاجأة أنه اختطفه فور أن غادر مقر المحافظة، واحتجزه في سجن lsquo;داعشrsquo;.
ويروي عمر الهويدي قصة نجاة أبو دجانة قائلا lsquo;إنها من مفارقات lsquo;داعشrsquo; أن يقوم أمير بخطف نائب أمير!! ولولا وجود تغطية هاتفية بالصدفة في ذلك الوقت لما خرج أبو دجانة حتى يومنا هذا، فلم ينج أبو دجانة من عملية الخطف هذه إلا بفضل رسالة أرسلها لأميره الحضرمي بالهاتف الخيلوي أبلغه فيها بأنه مختطف في سجن الدولة في المحافظةrsquo;.
لم يصدق الحضرمي أمير الدولة في الرقة المدينة تجرؤ أمير الدولة في المحافظة على نائبه أبو دجانة، الى أن ذهب بنفسه والتقى أبو لقمان ودارت مواجهة كلامية شرسة بين القائدين ولم ينكر أبو لقمان اختطاف أبو دحانة في النهاية واضطر لإطلاقه بعدما انكشف أمر هذه العملية لعدد من قيادات lsquo;داعشrsquo; الموالين للحضرمي فلم يشأ الإصطدام بهم، بعد هذه الحادثة قرر أبو لقمان تصفية أو اختطاف الحضرمي ونائبه أبو دجانة كان أبو لقمان يتوجس من تمرد الحضرمي والموالين له في الرقة المدينة، وهو يعرف أن الحضرمي ذو شعبية كبيرة في الرقة كما أنه ابن عشيرة البوعساف القوية في منطقةَ الجزيرة وابن الحراك الثوري في الرقة من بداياته السلمية.
ويرتبط الحضرمي بعلاقات وثيقة وطيبة مع كل الفصائل في الجيش الحر وكافة الفصائل الإسلامية ،وهو من أوائل من شارك بالحراك السلمي في الرقة قبل أن ينضم للعمل المسلح وينتمى لجبهة النصرة، وعرف بمواقفه المعتدلة من النشطاء بمحتلف ألوانهم وقد أصدر بيانا يوما ما يقول فيه lsquo;إن لا مانع لديه من رفع علم الثورة السورية على مدخل المدينة lsquo; في وقت كان يصر بعض قادة الفصائل الإسلامية المتشددة خصوصا lsquo;داعشrsquo; على تنحية هذا العلم ورفع راية التوحيد ذات اللون الأسود كما يروي الناشط الثوري البارز المتواجد في الرقة عمر الهويدي.
في المقابل ساءت العلاقة وانعدمت الثقة بين قيادة lsquo;داعشrsquo; في المدينة وبين قيادة المحافظة، وقرر الحضرمي الإنشقاق عن lsquo;داعشrsquo; والعودة لتشكيل تنظيم جبهة النصرة، وبالفعل غادر مع مجموعة من قيادات lsquo;داعشrsquo; في المدينة الى الطبقة خارج الرقة ومعهم نحو سبعين مقاتلا إنضموا لهم وانشقوا عن lsquo;داعشrsquo; كان الهدف من الذهاب للطبقة هو تجميع القوى وتهيئة جبهة النصرة لمواجهة lsquo;داعشrsquo; داخل المدينة، استقر الحضرمي وأبو دجانة في قلعة الرقة، وبالفعل بعد شهرين عاد الحضرمي وأبو دجانة للرقة المدينة، ومعهم مئات المقاتلين الموالين لهم مع حلف يجمعهم بعدد مع الفصائل الإسلامية ومن الجيش الحر المعارضين لـrsquo;داعشrsquo;، وقد انضم لجبهة النصرة بقيادة الحضرمي حين عاد للرقة اثنين من أكبر فصائل الجيش الحر هما لواء ثوار الرقة وكتائب المنتصر بالله، كان هذان الفصيلين وكما يؤكد عمر الهويدي على خلافات كبيرة مع lsquo;داعشrsquo; ووجدا فرصة ذهبية بالتحالف مع جبهة النصرة لتقوية الجبهة المعارضة لـrsquo;داعشrsquo; داخل الرقة.
لكن لم تكد تمر أسابيع على عودتهم في نهاية سبتمبر من العام الماضي حتى قامت lsquo;داعشrsquo; باختطاف الحضرمي مع خمسة من مرافقيه أطلقوا لاحقا، وظل الحضرمي مختفيا في سجون lsquo;داعشrsquo; تنظيمه السابق، ويقول قيادي بارز في جبهة النصرةrsquo;: لم تقبل قيادة lsquo;داعشrsquo; أي وساطات لإطلاقه بل وكانوا ينكرون وجوده ويحلفون الأيمان بأنه ليس عندهم، وهو ما يتطابق مع كلام قادة آخرين في الجبهة الإسلامية والنصرة في مواقف نشرت على مواقعهم الإلكترونية بخصوص التفاوض لإطلاق الحضرمي.


كما أن قائد جبهة النصرة وفي تسجيل صوتي نشر خلال المعارك مع lsquo;داعشrsquo; قال إن الحضرمي لا زال مصيره مجهولا في سجون lsquo;داعشrsquo;، منتقدا ما وصفها بالممارسات والأخطاء الكبيرة من تنظيم الدولة، قبل أن تعلن الدولة الإسلامية في بيان لها إعدام الحضرمي lsquo;كونه مرتداrsquo; في إعلان شكل صدمة كبيرة للفصائل الإسلامية في سوريا التي كانت تخوض حينها معارك شرسة مع تنظيم الدولة في حلب وإدلب وريف حماة.
وفي هذه الأثناء أعلنت جبهة النصرة عن معركة كبرى لطرد lsquo;داعشrsquo;، lsquo;البغاةrsquo; من الرقة، وانضم لهم أحرار الشام في معركة نجح الفصيلان فيها ثم فجأة سقطت الرقة بيد lsquo;داعشrsquo; من جديد ، وسط اتهامات لأحرار الشام بالتراجع عن الإستمرار في المعركة بالرقة في ظل تجاذبات داخلية بين بعض شرعيي الجبهة الإسلامية حول شرعية قتال lsquo;داعشrsquo;.