محمد خروب
يقترب العاشر من آب بما هو الاستحقاق التركي الابرز او الاكثر دراماتيكية بعد أن لم يعد أمام رئيس الوزراء الحالي رجب طيب اردوغان فرصة لـِ»استنقاذ» مستقبله السياسي، سوى «الهروب» باتجاه قصر شنقايا هذه المرة، لان رئاسة الحرب لمرة ثالثة (وبالتالي رئاسة الوزراء) لم تعد متاحة, فبات عليه التطلع الى شغل منصب طالما كان رمزياً وبروتوكولياً لكنه (اردوغان) يقول الان في ما يشبه التحذير بأن منصب رئيس الجمهورية «لن» يكون بعد اليوم بروتوكولياً, بل سينهض بدور مهم وحيوي لانه بات مُنتخباً من الشعب لاول مرة، فيما كان سابقاً يُنتخب من قبل ممثلي الشعب اي اعضاء البرلمان التركي.
فهل ثمة جديد على هذا الصعيد؟
يصعب على شخصية عصابية وذات نزعة اقصائية ودائماً انفعالية تؤمن بنظرية المؤامرة وتفيض ثقة عالية بالنفس تصل حدود الغرور والغطرسة, أن يُنهي حياته السياسية على النحو الذي كان عليه الرؤوساء الاتراك منذ انشاء الجمهورية قبل تسعة عقود (1923) حتى الان، لا يقومون سوى بأعمال اقرب الى الاحتفالية والطقوس منها الى اي فعل سياسي، الأمر الذي كان يمكن فيه شطب هذا المنصب دون أن يَحدث اي خلل في البنى الادارية، والبيروقراطية (الدولتية) فضلاً عن استمرار الحياة السياسية بزخمها او جدبها او ضجيجها, سواء دخل العسكر ساحاتها أم بقوا في الثكنات، لكن اردوغان الذي يتطلع الى ان يدخل التاريخ التركي المعاصر كأب «ثان» للاتراك (الاب الاول هو ما يدل عليه اسمه.. اتاتورك) ليحتفل بمرور «قرن» على قيام الجمهورية الاولى، حاول وفشل.. حاول تغيير النظام السياسي الراهن (برلماني)، الى نظام رئاسي تكون فيه الكلمة الاولى لرئيس الجمهورية، فيما يبقى رئيس الوزراء مجرد وزير اول تنفيذي، لكنه لم يستطع توفير الاغلبية اللازمة لاجراء تعديل على الدستور (يحتاج الى ثلثي اعضاء المجلس) فاضطر للانحناء, وأراد ان يجرب حظه في المنافسة على الرئاسة، لكن هذه المرة عبر الانتخاب الشعبي المباشر.
في انتظار الاول من تموز الوشيك حيث سيعلن حزب العدالة والتنمية مرشحه لانتخابات الرئاسة, والذي يبدو حتى اللحظة انه سيكون اردوغان، فإن المشهد التركي الداخلي يبدو في حال غير مسبوقة من الاحتقان السياسي والحزبي والتراشق الاعلامي محمولاً على انتقادات اوروبية واميركية (دع عنك العربية) للدور «اللوجستي» الذي نهضت به حكومة اردوغان في تشجيع دخول الارهابيين والجهاديين الاوروبيين الى سوريا وبالتالي العراق, ما اثار المزيد من القلق والمخاوف من عودة هؤلاء الى بلادهم الاصلية كي يقوموا بعمليات ارهابية..
اردوغان الذي هبطت أسهمه كثيراً وبخاصة بعد ما بدا وكأنه تواطؤ تركي مع الهجمة الداعشية التي استهدفت الموصل, رغم وجود «محتجزين» اتراك من سائقين ودبلوماسيين بعد اجتياح محافظة نينوى, بدليل ان اردوغان لم «يهرع» لنجدة تركمان قضاء «تلعفر» فقط, لأنهم «شيعة» فيما اضفى حمايته على كل تركمان كركوك وغيرها كونهم سنّة..
نقول: اردوغان هذا خرج على الاوروبيين يقول إن اجهزته المعنية حالت دون دخول خمسة آلاف جهادي اوروبي الى سوريا في الآونة الاخيرة, رداً على الانتقادات الاوروبية, لكنه لم يقل عن عدد الذين سمح لهم بدخول سوريا عبر البوابة التركية, على نحو حوّل سوريا الى ساحة لعصابات القتلة والمجرمين الذين سفكوا دم الشعب السوري ودمروا وطنه واستباحوا سيادته وثرواته..
ماذا عن البازار الانتخابي؟
اردوغان لن يكون بمقدوره الفوز من الجولة الاولى في انتخابات العاشر من آب, بافتراض ان حزبه قد تبنّى ترشيحه لهذا المنصب, الذي لن يكون بروتوكولاً كما «توعّد» لأن المعارضة العلمانية واليمينية القومية بل وجماعة فتح الله غولن, تستطيع ان توفر لمرشحها نسبة «مريحة» تحول دون فوز مرشح حزب العدالة والتنمية, ما بالك وان «حزب الشعوب الديمقراطية» (الذي حل محل حزب السلام والديمقراطية, الذي يوصف بأنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبداله اوجلان), سيرشح رئيسه الجديد/ القديم ونقصد هنا صلاح الدين ديميرطاش, الأمر الذي سيسلب اردوغان تفوقه وربما يجبره على تقديم «تنازلات» مهمة لاكراد تركيا, وفي مقدمتها اطلاق اوجلان من سجنه, «عربون» وفاء والتزام بما تعهّد به سابقاً, كي يضمن تصويت الكرد لصالحه, الامر الذي سيساوم عليه كرد تركيا كثيراً لاقناع اردوغان بأن مستقبله السياسي في ايديهم وأنهم قادرون على «إذلاله» اذا ما وقفوا جانباً, ما بالك لو صوّتوا لصالح مرشح المعارضة, الذي هو حتى الان البروفسور أكمل الدين احسان اوغلو, الامين العام السابق لمنظمة التعاون الاسلامي؟
الاول من تموز القريب سيكون اشارة على طبيعة المعركة التي ستخوضها القوى السياسية والحزبية التركية, التي خاضت معركة اكثر قسوة ولكن اقل اهمية في «المُعطى السياسي» وهي الانتخابات البلدية (جرت في 30 اذار الماضي) خرج منها اردوغان منتصراً, لكن بدون «الهالة» التي تعوّد أن يظهر بها.
التعليقات