في بلاد الرافدين وضعٌ مختلٌ أوجدته واشنطن وعليها إصلاحه

&آدم تايلور محلل سياسي أميركي مهتم بالشؤون الدولية


لو أن قائلًا قال قبل عام مضى إن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً في إحدى أزمات الشرق الأوسط، فإن قلة من الناس فقط كانت ستتفاجأ؛ ذلك أن الرئيس باراك أوباما كان قد أمضى أشهراً في محاولة إقناع الجمهور والكونجرس في بلاده بضرورة تدخل الولايات المتحدة عسكرياً في سوريا.

غير أن الطريقة التي تم بها هذا التدخل ستفاجئ الكثيرين بدون شك، وذلك لأن الولايات المتحدة لم تتدخل ضد بشار الأسد والنظام السوري، مثلما اقترح أوباما؛ وإنما تقوم بضرب أحد أكبر أعداء الأسد، المليشيا المتطرفة التي تسمي نفسها «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).

كما أن هذا التدخل لم يكن في سوريا، وإنما في العراق المجاور.

&


لقد فشلت دعوات أوباما للتدخل في سوريا في نهاية المطاف، واليوم تتساقط القنابل الأميركية على العراق.

فلماذا؟ هناك خمسة عوامل رئيسية.

1- كانت ثمة معارضة كبيرة للتدخل في سوريا: عندما كان أوباما يضغط في اتجاه تحرك ضد النظام السوري العام الماضي، كانت بلدان أخرى تعارض ذلك؛ بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يُعتبر من حلفاء الأسد الرئيسيين، ذهب إلى حد كتابة مقال رأي منتقد في صحيفة «نيويورك تايمز» (وهو أمر يبدو سخيفاً بعض الشيء بعد ضمه القرم).

كما عارضت ذلك إيران، التي تُعتبر حليفاً رئيسياً لسوريا.

على أنه حتى بين الدول الأوروبية التي دعمت الثوار، فإن الدعم لم يكن قوياً.

ففي بريطانيا، على سبيل المثال، تعرض رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لهزيمة سياسية مذلة عندما طلب من البرلمان دعم التدخل في سوريا.

ومن جهتها، رفضت فرنسا تقلد دور قيادي، وهي التي تُعتبر الأكثر جنوحاً إلى خيار التدخل العسكري بين الدول الأوروبية.

وأحد العوامل الرئيسية لذلك كان هو أن عدة استطلاعات للرأي في كل من الولايات المتحدة وأوروبا كانت تُظهر أنه على الرغم من امتعاض الجمهور مما يقوم به نظام الأسد في سوريا، إلا أنه لا يدعم تدخلًا عسكرياً.

2- «داعش» معزولة لكنها تمثل تهديداً للولايات المتحدة: تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ليس لديه حلفاء.

فالقوى الدولية الكبيرة، مثل روسيا لا تدعمها، والقوى الإقليمية المهمة، مثل إيران، تناصبها العداء.

بل إنه حتى «القاعدة»، التنظيم الذي خرجت من تحت عباءته «داعش»، بات الآن يختلف معها ويعارضها.

ولئن كان يُعتقد أن المجموعة تتلقى التمويل من مجموعات في بلدان عربية، فإنه لا أحد سيشتكي في حال قامت القوات الأميركية بالقضاء عليها.

ويذكر هنا أن بريطانيا وفرنسا ألمحتا إلى أنهما قد تنضمان إلى العمل العسكري ضد المجموعة.

ومع ذلك، فإن «داعش»، وعلى الرغم من عزلتها، فإنها يمكن أن تشكل تهديداً للولايات المتحدة.

ويمكن القول إنها حلت محل «القاعدة» باعتبارها الوجه الدولي للتطرف الإسلامي: فهناك اليوم محال لهدايا وتذكارات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في أسطنبول، وعلمها صار يرفرف في لندن.

صحيح أن تهديدها الفعلي قد يكون محدوداً في الوقت الراهن، إلا أنه قد يزداد ويتقوى في المستقبل.

والجدير بالذكر في هذا السياق أن النرويج أعلنت مؤخراً أنها تلقت تحذيراً يفيد بأن مقاتلين إسلاميين عائدين من الحرب الأهلية السورية يخططون للقيام بهجوم إرهابي في البلاد.

وعلى ما يبدو، فإن «داعش» تراودها كثيراً فكرة نقل القتال إلى الولايات المتحدة؛ حيث يقول أبو موسى، وهو متحدث باسم التنظيم في شريط وثائقي جديد من «فايس نيوز»: «لا تكونوا جبناء وتهاجموننا بطائراتكم التي بدون طيار، بل أرسلوا جنودكم، الجنود الذين أذللناهم في العراق»، مضيفاً: «إننا سنذلّهم في كل مكان إن شاء الله، وسنرفع راية الإسلام في البيت الأبيض».

3- بينما يطول أمد الحرب السورية، يصبح أقل وضوحاً من هو العدو حقاً: كان مخطط التدخل في سوريا يقوم على فكرة دحر قوات النظام، لكن المشكلة هي أنه بينما يطول أمد الحرب، أصبح من غير الواضح من الذي سيستفيد من مثل هذا التدخل.

فهل ستقوم مجموعات متطرفة، مثل «داعش»، بسد الفراغ؟ التخوف أصبح نقطة خلاف بالنسبة لكل من معارضي التدخل من المحسوبين على الجناح اليميني في الولايات المتحدة وبعض الزعماء الأجانب، مثل بوتين الذي أشار إلى أن ثمة «عدداً كافياً أو يزيد من مقاتلي القاعدة والمتطرفين من كل الأنواع يحاربون الحكومة».

وفي هذا السياق، قال آري راتنر، الباحث بمشروع ترومان للأمن القومي في واشنطن ومستشار شؤون الشرق الأوسط السابق في وزارة خارجية أوباما، لصحيفة «نيويورك تايمز» في أبريل الماضي، إن «بعض المعارضة الأكثر تطرفاً تبدو مخيفة جداً بالنسبة للولايات المتحدة؛ وهذا يطرح بالنسبة لنا مشاكل كثيرة»، مضيفاً: «ليست لدينا أوهام بشأن احتمال الانخراط مع نظام الأسد، فهو مازال عليه الرحيل، لكننا جد متحفظين في الوقت نفسه على دعم الثوار الأكثر تشدداً».

ويمكن القول إن الوضع الحالي في ليبيا، حيث يتميز المشهد السياسي في مرحلة ما بعد معمر القذافي بهيمنة مجموعات متطرفة عنيفة، يمثل تحذيراً آخر.

غير أنه، بالمقابل، إذا قامت الولايات المتحدة بضرب «داعش» في سوريا، فإن ذلك لن يتيح للنظام السوري فرصة فحسب، وإنما يمكن أن يتسبب أيضاً في انتكاسة للثوار السوريين الذين ترغب واشنطن في دعمهم.

4- الوضع في العراق حالياً يعني أن ضربات جوية محدودة يمكن أن تُحدث فرقاً: حتى الآن على الأقل، الأمر يتعلق بتدخل محدود ذي أهداف محدودة؛ حيث تم إلقاء قنابل من زنة 500 رطل موجهة بالليزر تستهدف بشكل خاص المدفعية التي يستعملها مقاتلو «داعش» لمهاجمة الجنود الأكراد الذين يدافعون عن أربيل.

ويعني الوضع الحالي في العراق أن تدخلا محدوداً مثل هذا يمكن أن يكون له تأثير كبير.

ولئن كانت مقاتلو «داعش» قد أظهروا أنهم محاربون تكتيكيون أقوياء، فإن لديهم إمكانيات محدودة عند مواجهة هجوم من الجو.

الحكومة المركزية العراقية والسلطات الكردية الإقليمية تتوق لتدخل أميركي.

وكانت الحكومة العراقية قد انتقدت في يونيو الماضي الولايات المتحدة لعدم توفيرها دعماً جوياً؛ حيث قال وقتها علي الموسوي، المتحدث باسم الحكومة في بغداد: «إن هذا لا يعرِّض العراق فحسب للخطر، وإنما العالم برمته».

5- الولايات المتحدة تشعر بواجب التدخل: في خطاب دافع فيه عن قراره القاضي بالقيام بعمل عسكري في العراق، أشار أوباما إلى العسكريين الأميركيين الموجودين حالياً في أربيل، وكيف أنه من الواجب حمايتهم.

غير أنه من الجدير التفكير بشأن أسباب وجود أولئك الجنود هناك أصلًا.

الواقع أن أربيل هي العاصمة الإقليمية لأكراد العراق، الذين أثبتوا أنهم حلفاء رئيسيون لواشنطن وسيكونون محوريين في أي مخططات لإعادة العراق إلى دولة ناجحة.

كما أن لدى الولايات المتحدة وأكراد العراق تاريخاً طويلًا ومعقداً قد يلعب دوراً في موقف كهذا.

وهناك موضوع الإزيديين المُلِح، وهم أقلية تتحدث الكردية تُستهدف حالياً من قبل «داعش»؛ حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 40 ألفاً منهم عالقون أو معتصمين بجبل في العراق، حيث يموتون جوعاً وعطشاً، مثلما أفادت صحيفة «واشنطن بوست».

وفي هذا الصدد، قال أوباما في تصريح مساء الخميس الماضي: «عندما نواجه وضعاً مثل الذي نواجهه على ذلك الجبل، وعندما تكون لدينا القدرات الفريدة للمساعدة على تجنب وقوع مذبحة، فأعتقدُ أن على الولايات المتحدة الأميركية ألا تغض الطرف».

وكان مسؤولون أميركيون أشاروا إلى أن وضع الإزيديين يمكن أن يرقى إلى «إبادة جماعية».

ثم هناك بالطبع تركة الولايات المتحدة في المنطقة.

ذلك أن الكثير من المشاكل التي يواجهها العراق حالياً تُعتبر نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للغزو الأميركي للعراق في 2003.

وإذا كانت إدارة أوباما وجزء كبير من الجمهور الأميركي عموماً يكره فكرة القيام بعمل عسكري أوسع على الأرجح، فإنه ما زال ثمة شعور بأن الأمر يتعلق بفوضى تسببنا فيها نحن –الأميركيين– وعلينا أن نساعد على معالجتها.

&

ينشر بترتيب خاص مع خدمة«واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
&