عقل العقل

يوسف القرضاوي لم يفوت فرصة الانتخابات الرئاسية التركية التي تجري هذا الأسبوع من دون أن يتفضل بالمشاركة السياسية، فقد دعا الشعب التركي إلى التصويت لرجب طيب أردوغان في هذه الانتخابات، وكأن الشعب التركي ينتظر من القرضاوي النصائح في استحقاق سياسي تركي محض، ولكن القرضاوي لا يفوت فرصة مثل هذه لتحقيق مكاسب إعلامية لحركة الإخوان المسلمين ليس في تركيا، فالهدف هو العالم العربي ومحاولة القرضاوي والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين في الدول العربية عندما يفوز أردوغان بالسباق الرئاسي سوف نشاهد أتباع الإخوان يهللون ويكبرون بهذا النصر التركي، وكأنه نصر لتنظيمهم الذي فقد مواقعه المهمة، عندما ركب موجة الربيع العربي متأخراً وخصوصاً في مصر، وهذا التنظيم العابر للقارات ما زال يترنح من هول الصدمة عندما أقصاه الشارع المصري وإقرار بعض الدول العربية قوانين تجرم جماعات الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الأخرى، هذه الخسارة والفاجعة الإخوانية هي ما يدفع أتباع الجماعة وقادتها في العالم العربي بالتغني بالتجربة الأردوغانية والتهليل لها، وكأنها نصر لنا نحن العرب، والحقيقة المعروفة أن النظام العلماني في تركيا الحديث والذي قبل به الشعب التركي هو من أسس للديموقراطية وتداول السلطة في تركيا بعد تجارب انقلابات عسكرية متعاقبة، لا شك في أن حزب العدالة والتنمية في فترة حكمه الحالية حقق إنجازات كبيرة لتركيا، وخصوصاً في المجال الاقتصادي، ونحن نعرف أن أي ناخب في العالم يكون الملف الاقتصادي الأهم في أجندته السياسية.

أما القرضاوي كعادته يلعب بهذا الملف التركي الداخلي لإعادة الأضواء إلى جماعة الإخوان المسلمين، ويأتي هذا النشاط متزامناً مع الأوضاع المأسوية الجارية في غزة بقيادة «حماس» التي أعادت بعض الروح المعنوية لجماعة الإخوان المسلمين في منطقتنا بسبب القتل والتنكيل التي قامت به إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، ولكن «حماس» كما القرضاوي هدفهم الرئيس تنظيمهم الدولي، فالقرضاوي بهذه الرسالة يقول:

«إن هناك شعوباً أحبت أردوغان، ومنها الشعب المصري الذي وقف معه ضد نظام السيسي -كما يقول- والذي انتزع الحكم من رئيس منتخب شرعي»، باعتقادي أن هذه النقطة من رسالة القرضاوي تلخص خططه وتفكيره وسبب محبته لأردوغان فهو أولاً يسمي النظام المصري بنظام السيسي ونحن نعرف أن السيسي قد وصل إلى الحكم بانتخابات رئاسية حضرها مراقبون دوليون وأفارقة وعرب وكان أجدر بالقرضاوي أن يعلن اختلافه مع النظام الحالي، وهذا حق له، ولكن حصره باسم شخص واحد فيه وقاحة وعدم وطنية من شخص ولد على أرض مصر، ويواصل القرضاوي هجومه على النظام المصري الحالي في رسالته إلى الشعب التركي بأن النظام في مصر قد قتل الآلاف من أبناء الشعب ولا أعرف أن قضية الشعب المصري هي أحد الملفات المهمة للناخب التركي، ولكن هذا يأتي في تمرير الرسالة إلى الشعوب العربية في استغلال مكشوف لعملية انتخابية في دولة مجاورة.

تصريح القرضاوي لا يخرج في شكله ومضمونه عن أنه أداة في حرب المحاور الإقليمية في منطقتنا، فهو يمتدح تركيا الخلافة العثمانية ودفاعها عن العالم الإسلامي، ويأمل أن تقوم تركيا الحديثة بهذا الدور في المستقبل متناسياً الدور الوطني لكمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة على أسس علمانية، فما فتئ الفكر الإخواني يهاجم ويقلل من دوره في تأسيس تركيا الحديثة، أي النظام العلماني، والذي من خلاله وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، ولكن هذه التناقضات في الرسالة القرضاوية تعبر عن منهج الفكر الإخواني منذ تأسيس الحركة وإلى الآن.
&