ميادة العفيفي
&
&
&أثارت عمليات تجنيد النساء الواسعة لتنظيم داعش مؤخرا, العديد من التحليلات السياسية الغربية التى حاولت أن تفكك تلك الإشكالية المعقدة بين المفاهيم الغربية التقليدية عن دور المرأة المهمش داخل المجتمعات الإسلامية, وحجم مشاركتها المثير للدهشة فى ارتكاب المجازر وعمليات القتل وممارسة العنف لاسيما ضد النساء أنفسهن,
أيضا حاول بعض الخبراء إيجاد أى إجابة عن سبب جاذبية تنظيم -هو الأكثر وحشية عبر التاريخ- للعديد من الفتيات المراهقات سواء فى سوريا والعراق أو فى أوروبا والولايات المتحدة.
منذ أيام قليلة تم إلقاء القبض على فتاة فرنسية لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها فى مطار نيس بفرنسا أثناء محاولتها السفر لتركيا للانضمام لتنظيم داعش, وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسية للخروج بعد ساعات من إيقاف الفتاة لدعوة الأهالي إلى الاتصال برقم إغاثة سريع إذا ما لاحظوا تغيرات على سلوك أبنائهم, يأتى ذلك فى الوقت الذى صدرت فيه دراسة عن المركز الدولي لدراسة الحركات الراديكالية بجامعة كينج البريطانية, تشير إلى تزايد أعداد المراهقات الغربيات اللاتي يبدين تعاطفا شديدا مع تنظيم داعش عبر شبكات التواصل الاجتماعى, أو عبر محاولاتهن الهرب إلى سوريا والعراق.
على أرض الواقع يبدو وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية التكفيرية, وبصفة خاصة داخل تنظيم داعش, بعيدا عن ذلك التصور الغربى المعتاد، بل وحتى التصور المعتاد فى مجتمعاتنا العربية عن حجم العنف الذى يمكن أن تمارسه المرأة خلف زيها شديد الاحتشام, إنه وضع شديد التعقيد وأيضا سريع التحول, وربما كانت كتيبة الخنساء فى محافظة الرقة السورية, التى يعدها المحللون العاصمة الفعلية لدولة داعش المزعومة, هى النموذج الأبرز لدور المرأة داخل ذلك التنظيم الإرهابى البغيض, هناك حيث لا يحق للمرأة أن تخرج دون "محرم" أو أن تكشف عن وجهها أو كفيها, يبرز شكل غير مسبوق من أشكال عنف المرأة ضد المرأة, حين تتولى المرأة الداعشية "الورعة" بنفسها عمليات الإعتقال والتعذيب التى تمارس ضد النساء السوريات.
كتيبة الخنساء هى الشرطة الأخلاقية النسائية التابعة لداعش, وقد أنشأها التنظيم الارهابى فى الرقة بمجرد الاستيلاء عليها قبل بضعة أشهر, هناك تتفاخر نساء الكتيبة التى تقودها سيدة تحمل رتبة لواء فى جيش داعش, بأنها تتولى مسئولية رفع الوعى الدينى بين النساء ومعاقبة النساء اللاتى لا يلتزمن ب"الشريعة", مهمة اللواء منع تجنب الاختلاط بين الرجال والنساء والتأكد من إلتزام النساء بأقصى درجات الاحتشام الذى يفرض من سن السادسة.
وفقا لتوماس هيجهامر, الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية الراديكالية فى مؤسسة بحوث الدفاع النرويجية, فقد تم تشكيل كتيبة الخنساء فى البداية لحل مشكلة إكتشاف المقاتلين الرجال من جماعات التطرف الأخرى التى تندس لقتال داعش, حيث عادة ما يتخفون وراء النقاب الأسود السميك للمرور عبر نقاط تفتيش داعش. هنا كانت مهمة نساء الكتيبة الكشف عن مثل هؤلاء الرجال المندسين, وبمرور الوقت تزايدت سلطات نساء الكتيبة بعد أن ضمت إليها الكثير من الفتيات المراهقات, بعضهن قادمات من الغرب, وأصبحت تتضمن إلقاء القبض على أى سيدة تسير بلا محرم أو لا ترتدى النقاب, أو لمعرفة ما إذا كانت المرأة مسلمة أم لا خلال عمليات تحقيق تتم تحت تهديد السلاح عن مدى معرفة المرأة بتعاليم الصلاة والصيام والحجاب. وإذا تم الشك فى ديانتها أو طائفتها يتم إعتقالها، وغالبا قتلها. وكما يؤكد هيجهامر وغيره من الخبراء فإن وجود كتيبة الخنساء وغيرها إضافة لدور الرقابة الدينى الذى تلعبه, يدل بشكل واضح على حجم التحولات التى تحدث داخل التنظيمات الإرهابية الجديدة, حيث يسمح للنساء بلعب المزيد من الأدوار التنفيذية داخل الحركات التكفيرية الجهادية, مما يمثل عنصر جذب للنساء والفتيات اللاتى قد يجدن فيه أحد أشكال تحرر المرأة داخل تلك المجتمعات المتطرفة شديدة الإنغلاق, وقد تكون فتاة كانت أقصى طموحاتها حتى وقت قريب لا تتعدى أن تكون زوجة ثالثة أو رابعة لأحد شيوخ تلك التنظيمات.
عنصر جذب آخر للنساء فى تلك التنظيمات, قد يظهر جليا فى مدى الدعم والإعجاب المتحمس الذى يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الإجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء داعش, سببه كما يرى بعض الخبراء الغربيون, هو تحدى تلك الصورة النمطية الغربية عن المرأة المسلمة الضعيفة والقابعة فى قعر منزل أحدهم, بصورة أخرى لنساء يحملن السلاح وقادرات على تنفيذ أقصى عمليات القتل وحشية بأيديهن. إنه تحدى المرأة القوية كما تطلق عليه محللة السياسة الدولية كاثى جيلسينان فى مقال لها بمجلة أتلانتك الأمريكية, ربما نوع جديد من الثقافة الناشئة التى تطلق عليها فرض "سلطة الفتاة الجهادية" والذى للأسف غالبا ما يأتي على حساب نساء أخريات.
تكتب الباحثة نيمى جوريناثان, مديرة برامج جنوب آسيا للإغاثة التابعة للأمم المتحدة, فى تحليل للظاهرة نشر لها مؤخرا بمجلة فورن أفيرز, تشير فيه إلى أن المرأة فى معارك الجماعات المتطرفة والإرهابية فى نهاية المطاف ليست سوى وقود لمدافع فى لعبة ذكورية حمقاء بالأساس, لن تنال منها أى شىء. وهى هنا وبشكل أساسي تناقش الظاهرة بعيدا عن الإنتماءات العقائدية، بل باعتبارها مأساة أى إمرأة يضعها حظها العاثر فى مناطق الصراعات والحروب.
تتحدث جوريناثان, التى عايشت من قبل إنضمام الآلاف من نساء السلفادور وإريتريا ونيبال وبيرو سيريلانكا إلى حركات عنف مسلحة بشكل طوعى, كيف أن بعضهن كن ينضممن لا لشىء سوى للحصول على نفس الحماية التى يتمتع بها الرجال فى بؤر الصراع الملتهبة, حيث كان البديل التعرض لتهديدات وإنتهاكات مستمرة بسبب الهوية العرقية أو الدينية أو السياسية, فكان عليهن حمل السلاح ومشاركة الرجال عنفهم ودمويتهم لأنه الحل الوحيد كى يحمين أبنائهن وأحبائهن من القتل والتنكيل ويحمين أنفسهن من الاغتصاب, ولهذا السبب يوصى جين هارمان رئيس مركز أبحاث وودرو ويلسون الدولى, خبراء مكافحة الإرهاب وصناع السياسة فى الغرب أن يدركوا أن نساء داعش لسن سوى أدوات تستغلها قيادات داعش مدركة حجم رعبهن من أن يتعرضن للممارسات الراديكالية من قبلهم.
ربما علينا ألا ننسى أنه أحيانا قد تكون مشاركة إمرأة فى بقر بطون النساء ودفن الأطفال أحياء وقتل من يشتبه بهن من الواشيات, هو السبيل الوحيد للبقاء على قيد الحياة.
&
التعليقات