&ابراهيم حيدر&
& &

نسأل ما إذا كانت التربية الدينية أو التعليم الديني أقوى من النظام التعليمي العام. ذلك أن التطرف الإسلامي لدى مجموعات تمارس أبشع أنواع القتل، تستمد مقوماتها من تربية دينية خاصة مقابلة للمدرسة أو توازيها، وإلا ما الذي يبرر قيام بعض الشباب اللبناني بتنفيذ عمليات انتحارية ضد لبنانيين آخرين، وإن كانت بهدف سياسي، لكنها في العمق ترتبط بتربية دينية متطرفة وتعبئة تغذيها الإصطفافات. وقد يعتبر البعض أن هذه المسألة باتت عالمية، فما الذي يبرر عملية "شارلي إيبدو" الإرهابية التي نفذها عدد من الفرنسيين المسلمين الذين تعلموا في مدارس فرنسية، فهم لم ينفذوا هذا العمل الإجرامي من أجل فلسطين مثلاً، وما الذي يجعل حياة بومدين السافرة سابقاً تتحول إمرأة ترتدي الحجاب وتدعو الى الثأر والقتل، وهي التي درست في فرنسا أيضاً، غير تربية موازية للنظام التعليمي العام وتعبئة من تيارات تغذي التطرف؟ كذلك ما الذي يدعو طالبان باكستان الى منع الفتيات من دخول المدرسة والتعلم، غير بنية متطرفة أقوى من الدولة أحياناً! فبقدر ما أن المسألة عالمية وتعبر عن مشكلة هوية في المنطقة، فإن لها في لبنان بعداً خاصاً نظراً لتنوعه الطائفي والمذهبي، إذ ما الذي يجعل لبنانيين تعلموا في المدرسة، يقدمون على تنفيذ تفجيرات إرهابية، إلا وجود تعبئة موازية تحت عنوان تربوي ديني.

في لبنان، تتلى في بعض المدارس خُطب دينية مرتجلة، خصوصاً في المدارس التي تديرها جمعيات، وهي مجانية خاصة، تحرض التلامذة على العنف وكره أبناء الطوائف الأخرى، وتحضّ المراهقين منهم على الجهاد. وهذا هو الواقع الذي يؤسس لتعليم مقابل أقوى من التعليم العام. أما التعليم الديني في بعض المدارس الخاصة، فيتضمن كتباً دينية مؤلفة وفق مذهب معين، ما يزيد من عملية الاختلاف في الصف الواحد والمدرسة. وفي المدرسة الرسمية، يسير التعليم وفق المناطق والمذاهب، قبل أن يخرج التلميذ الى صف التدريس الديني الخاص لدى هيئات شرعية وجمعيات.
وهناك مئات المدارس المجانية الدينية، تدرّس ألوف التلامذة بمنهاج خاص بها، وما يمارس فيها أصبح مادة للتنبيه الدائم على الاختلاف بين أبناء المدرسة الواحدة والصفِّ الواحد، فيخرجها عن دورها الذي نالت على أساسه ترخيصها كمركز تعليمي. وما يزيد حدة الخطاب الديني المتطرف في هذه المدارس وغيرها، نزوح التلامذة السوريين الى لبنان، والذين تلقفتهم جمعيات في مدارسها، وبدأت تلقنهم على طريقتها التي ترفض الآخر، بالإضافة الى جلسات التعليم الديني الخاصة التي تحض على العنف والجهاد.
فما يراكمه هذا النوع من التعليم، ينشئ جيلاً يسير على خط التطرف لأنه يفتح الطريق على تأثر المؤسسات التعليمية بهذا الواقع، ويدفع الى مزيد من الإصطفاف المذهبي. وكي لا نختبئ خلف تبريرات واهية، يجب الاعتراف بأن قسماً من تلامذتنا، يخضعون لدروس من قبل جماعات متطرفة، تحشو أفكارهم بخطب دينية رديئة الصياغة، مليئة بعبارات تحرض على القتل والمذهبية. نعم هذا يحصل في لبنان، وقد حان الوقت لإعادة تنظيم هذا التعليم ومواجهته!
&