محمد العصيمي
حفر الداعشيون أسماءهم بحروف من دم وأشلاء ووطء محرم للنساء اللواتي لا حول لهن ولا قوة. وهم سيبقون في ذاكرة التاريخ البشري باعتبارهم خوارج ليس لشرهم مدى ولا لارتكاباتهم وظلمهم وغلوائهم حدود. لا حدود الله التي اعتدوا عليها، ولا حدود حقوق البشر التي انتهكوها وينتهكونها، دون تردد، إلى درجة قتل مائة إنسان لأنهم نزعوا ملصقات دولتهم الشيطانية اللعينة من الجدران.
لكن ما دام أولئك ودولتهم يعلنون شرهم ويرتكبونه في وضح النهار وجوف الليل، فماذا عسانا أن نقول عن أولئك الذين يمتطون صهوة الداعشية الفكرية في كل الدول العربية والإسلامية. أولئك الذين يزهقون أرواح الأفكار والتيارات المختلفة عن منهجهم ويرسلون أصحابها إلى مغبات الفجور والعصيان والكفر، دون أن يرف لهم جفن أو يستحوا من الله والناس.
خذوا مثلا ذلك الأحمق الذي اعتبر الحرم خطرا على الشباب بدعوى أن (فتن النساء) تصرفهم عن التلذذ في العبادة وتأخذهم بعيدا عن روحانيات المكان. يريد هذا (المتلصص) على أجساد النساء وملابسهن أن يعمم طبعه على الآخرين، الذين، منذ صدر الإسلام إلى الآن، لم يشتكوا من وجود المرأة في الحرم. ولم يطالبوا بعزلهن كما يطلب وكما طالب غيره من مشايخته الذين ذهبوا إلى أبعد مما نتخيل، حين تنافسوا أيهم يؤيد هدم الحرم وإعادة بنائه على أساس بناء جزيرة للرجال وجزيرة للنساء. ولهذا الكاره للنساء، ولغيره ممن يؤيدون ما ذهب إليه، أوجه هذا السؤال: من قال إنك أعلم من محمد بن عبدالله ــ عليه أفضل الصلاة والسلام، أو أعلم من خلفائه الراشدين والصحابة والصحابيات وتابعيهم خلال ما يزيد على أربعة عشر قرنا؟! هل أنت، أو أنتم، أكثر فقها واستنباطا لأحكام الدين لتبثوا هذه الدعاوى الكريهة وتنشروا هذا الباطل ضد النساء والرجال في حرم الله؟! أم أنكم تريدون أن تقولوا إن خشوعكم في المسجد الحرام يفوق خشوع ورجاء الصحابة والصحابيات؟!
المسألة ــ كما يبدو ــ ليست متعلقة بوجود رجال ونساء في المسجد، وإنما هي متعلقة بمن هم هؤلاء الرجال الذين يزعجهم وجود النساء لمرض أو كتلة أمراض في نفوسهم. ولو كان الأمر بيدهم لبنوا سورا بارتفاع عشرة أمتار يعزلهن أو لمنعوهن أصلا من زيارة المسجد والصلاة فيه. المرأة في نظرهم، وليس في شرعنا الحنيف، شر مستطير وأقصر الطرق إلى تجنب هذا الشر إلغاؤها وحبسها في جسدها ودفنها وهي على قيد الحياة.
وهذه داعشية فكرية لن تسعفنا محاولات تجميلها أو تجاهلها. وإذا أردنا السلامة منها، فليس ثمة حل سوى تجفيف منابع هذا الفكر وإطلاق منابع جديدة تفهم الدين فهما صحيحا، وتعرف قدر المرأة فيه وحقها في الوجود المختلط، في الحرم وغيره.
التعليقات