&كارتر يُكَرّس كتابه الأخير لحماية النساء من القتل والعنف والاغتصاب


سمير ناصيف

&لماذا نكتب عن الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في هذه المرحلة؟ ألكونه طرق عتبة التسعين من عمره وهو يعاني حاليًا من مرض السرطان في أصعب مراحله ويشارف على الانتقال إلى العالم الآخر؟
هناك رؤساء وقادة آخرون في هذا الوضع، ولكنهم لم يتركوا الأثر الحضاري والإنساني الغني الذي سيتركه رحيل كارتر بعد مغادرته هذا العالم. فهو لم يكن رئيسًا لأقوى دولة في العالم فحسب، بل استخدم منصبه هذا لصنع السلام، حين شعر بأن بإمكانه أن يصنعه، خصوصا في الشرق الأوسط، خلال رئاسته وبعدها، ومن خلال «مركز كارتر الدولي» الذي أسّسه في ولاية جورجيا، مسقط رأسه، ومكان صعود نجمه السياسي.
قليل جدًا من رؤساء الدول القوية في العالم يكرسون نتاجهم (ربما كتابهم الأخير قبل وفاتهم) للدعوة إلى حماية النساء في العالم، من الممارسات القاسية والخاطئة والتمييز المجحف بحقهن، النابعة من فهم خاطئ للدين والقيم الإنسانية. هذا ما فعله كارتر في كتابه «الدعوة إلى العمل: المرأة والدين والعنف والتسلط»، الصادر مؤخرا عن دار «سيمون أند شوستر» العالمية للنشر.
لعل المقاربة الأهم في كتاب كارتر هذا هي، أنه يربط القمع والوحشية ضد المرأة عموما بنشوب واستمرار الحروب والحروب الأهلية، حيث يتفاقم التمييز المجحف بحقها، ليصبح أكثر خطورة، إذ يتحول إلى الاعتداء الجسدي والجنسي (الاغتصاب) عليها ومعاملتها كسلعة، كما حدث ويحدث حاليا في بلدان الشرق الأوسط وغيرها.
يقول كارتر في الفصل السادس من كتابه وعنوانه «العنف والحروب»: «إن قرارنا )يعني قرار أمريكا جورج بوش الابن) شنّ حرب ضد العراق، من دون شرعية دولية، يخالف المبادئ الإنسانية والدينية. هناك مبدأ في الدين المسيحي والأديان السماوية الأخرى اسمه (مبدأ الحرب العادلة) ومن الواضح أن حرب أمريكا في العراق عام 2003 لم تتبع هذا المبدأ، لا في الدوافع ولا في الممارسة، وذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء، بينهم عدد ضخم من النساء والأطفال والشيوخ. وهذا ما يحدث في الحروب الأهلية الجارية حاليا في العالم».
ويشير كارتر إلى أنه عندما تخالف دولة كبرى كالولايات المتحدة الشرائع الدولية، كما حدث في غزو العراق عام 2003، فإن الإنسان الأمريكي العادي يتجاوز المعايير الأخلاقية في عمله كجندي في البلدان التي يغزوها، كما يتجاوزها أيضا كمواطن عادي في بلده. ففي الولايات المتحدة، يذكر كارتر في الفصل 11 من كتابه بعنوان «الاغتصاب»، أن وزارة العدل الأمريكية أشارت إلى أن 192 ألف حادثة اغتصاب أو اعتداء جنسي وقعت في الولايات المتحدة عام 2006، (91 ) في المئة منها ضد النساء، اي أن 475 امرأة تمّ الاعتداء عليهن جنسيًا يوميا في أمريكا، وليس فقط في العراق أو السودان أو في البلدان الأفريقية الأخرى التي تتعرض للحروب والحروب الأهلية كرواندا والكونغو وفي بلدان آسيوية كالهند وباكستان وأفغانستان أو في العراق وسورية.


يتحدث كارتر في الفصل الثاني من كتابه بعنوان: «التزام السلام وحقوق المرأة» عن (الاعلان العالمي لحقوق الإنسان) الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة في عام 1948، بموافقة 48 دولة وعدم اعتراض أي دولة، بينما امتنعت عن التصويت 8 دول بينها دولة عربية واحدة تحفّظت على مبدأ مساواة المرأة بالرجل، خصوصا في مؤسسة الزواج وهي المملكة العربية السعودية، فيما أيدت الإعلان العالمي برمته ثماني دول عربية. ويورد كارتر في الكتاب مجمل بنود الإعلان العالمي الذي يساوي البشر بصرف النظر عن جنسهم ودينهم وإثنيتهم، ويقول إنه نابع من التعاليم الدينية للأديان السماوية الرئيسية، بما في ذلك المسيحية والإسلام واليهودية. ومع أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يقول كارتر، صدر بمبادرة أمريكية قادتها ايليانور زوجة الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت وكبار مفكري أمريكا والعالم، فإن الدولة التي خالفت تعاليمه وإرشاداته أكثر من غيرها في مجال الحروب والصراعات العسكرية في القرن العشرين كانت الولايات المتحدة. فتدخلت عسكريا في أفغانستان والبوسنة وكمبوديا وجمهورية الدومينيكان والسلفادور واليونان وغرينادا وهايتي والعراق وكوريا وكوسوفو والكويت ولاوس ولبنان وليبيا ونيكارغوا وبنما وصربيا والصومال وفيتنام وباكستان واليمن، وحيث حدثت هذه الحروب (وفي معظم الأحيان) حدثت تذليلات واعتداءات على النساء، خصوصا في صربيا والبوسنة، وحاليا وسابقا في العراق وفي سورية. أما بالنسبة للسعودية، فيقول كارتر إن المرأة السعودية تفتقر إلى الحقوق في عدّة مجالات، بينها انتخاب ممثليها، ولكنها وعدت بأنها ستحصل على تطورات في هذا المجال، تدريجيا. ويخصص كارتر في كتابه فصولاً للزواج من قاصرات وجرائم الشرف ضد النساء، والاعتداءات الجسدية على الزوجات، بالإضافة إلى فصل عن ختان الفتيات لدى ولادتهن أو في طفولتهن. وفي الفصل 16 المخصص للزواج من قاصرات، يقول كارتر إن الكثيرات من هؤلاء الفتيات اللواتي يتزوجن وهم دون الخامسة عشرة من أعمارهن، يتم تزويجهن رغمًا عنهن وبإرادة أولياء أمرهن. وهذا الأمر يمارس في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.


أما بالنسبة لجرائم الشرف، فإن معظمها يحدث عندما تتزوج فتاة في أحد المجتمعات التقليدية من شاب يرفضه أهلها، وتهرب معه، أو عندما يكتشف الزوج أن زوجته لم تكن عذراء قبل الزواج. وينفّذ الجريمة في العادة والد أو عم الفتاة أو الزوج أو الأخ. وهذه ممارسات ما زالت تجري في بعض بلدان الشرق الأوسط وجنوب آسيا وحتى في بلدان أخرى تقطنها أقليات من مجتمعات تقليدية، حسب الكتاب. ويوجّه كارتر صفعة قوية إلى ممارسة الختان («تطهير» الفتاة لدى ولادتها بقطع الأجزاء التي قد تثيرها جنسيا عند بلوغها). وتمارس هذه العملية نساء مقرّبات من العائلة، و»متخصصات» في هذا المجال، في بعض الاحيان، من دون توافر الأدوات والتجهيزات الطبية الضرورية، ما قد يؤدي إلى وفاة الطفلة أو إصابتها بعاهة ومشاكل نفسية. ويشير كارتر إلى أن «منظمة الصحة العالمية» أكّدت أن أكثر من 125 مليون امرأة في بعض بلدان آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا والعالم تعرضن لهذه «العملية الجراحية» رغم صدور قرارات من منظمات حقوق الإنسان العالمية ومنظمة الأمم المتحدة بمنعها. وحسب منظمة «اليونيسف»، يذكر كارتر، أن أكثر من تسعين في المئة من نساء بعض البلدان الأفريقية والعربية تعرضن للختان. وهذه النسبة موجودة في بلدان كالصومال، غينيا، جيبوتي، إريتريا، مالي والسودان وبعض مناطق مصر.
الفصل الثاني عشر من الكتاب يتطرق إلى ظاهرة ممارسة البغاء وارتباطها ليس فقط باستغلال المرأة، بل بانتشار مرض فقدان المناعة (الإيدز) خصوصا في أفريقيا. ومع أن كارتر ينبّه إلى خطورة السماح بممارسة البغاء كليًا أو منعه في المطلق، فإنه يعتقد أنه، وإذا أرادت المجتمعات التوصل إلى حلّ في هذا المجال فإن أفضل الحلول هو ما تمارسه السويد، بحيث القانون هناك يعاقب من يستغل النساء ويدفعهن إلى البغاء، أو الرجال الذين يستخدمون النساء كسلع ويتاجرون بهن أو يديرون مؤسسات لهذا العمل، ولكنه لا يعاقب النساء أنفسهن اللواتي وقعن ضحية هذه الأجواء والممارسات. ويُذكَر أن جيمي كارتر نال جائزة نوبل للسلام عام 2002 في وقت كان فيه الرئيس جورج بوش الابن ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير يحضران لغزو العراق في عام 2003.


وكان كارتر يحاول الإجابة في خطاب تسلمه الجائزة عن سؤال حول متى يجب شن الحروب؟ وكان كارتر، الذي عمل مبشرا دينيا في شبابه، وحتى خلال تسنمه منصب حاكم لولاية جورجيا، قبل رئاسته أمريكا، يحاول تفسير «مبدأ الحرب العادلة»، حسبما ورد في الكتاب المقدّس المسيحي والتعاليم الدينية الأخرى. ويُشار أيضا إلى أن كارتر ينتمي إلى مجموعة «الكبار» التي تضمُ شخصيات قيادية عالمية عملت في حياتها من أجل نشر السلام والعدالة في العالم، وأشرفت على طرح الحلول للأزمات والنزاعات، وراقبت عمليات الانتخابات لمنع التزوير فيها في كثير من بلدان العالم ودافعت عن نتائجها عندما لم توافق عليها القوى العظمى، وقد جمع هذه الشخصيات الراحل الزعيم الجنوب أفريقي الكبير نلسون مانديلا وضمته إلى جانب عدد من محرزي جائزة نوبل للسلام من قادة العالم السابقين ككارتر، والرئيس الفنلندي السابق مارتي اهتيساري، والأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان، والأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي للسلام، وغروهارلم بروندتلاند، رئيسة وزراء النرويج ومديرة «منظمة الصحة العالمية» (WHO)، وماري روبنسون، رئيسة جمهورية إيرلندا السابقة، وقادة آخرين نظيفي الكفّ.
وقد نشط هؤلاء في نشر السلام وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط، السودان، كوريا، زمبابوي، قبرص، كينيا، وميانمار، وغيرها، وكان على رأس أجندتهم دائما التزامهم حقوق المرأة وتحقيق المساواة والحماية من الاعتداءات على نساء وفتيات وأطفال العالم.

&

&

&

&

&

&