محمد خروب
&
هل لأحد أن يتصورـ ولو للحظة واحدة ان مجرم حرب مُدان باكثر من جريمة قتل ولعِب دوراً قذراً في الحرب الاهلية اللبنانية وتلطخت يداه بدم مئات من اللبنانيين والسوريين وخصوصاً الفلسطينيين، كان سيكون رئيساً للبنان منذ عام ونيف، لو أن النظام السوري قد سقط وبالتالي خَسِرَ حلفاؤه وبعض داعميه نفوذهم وقوتهم التمثيلية البرلمانية، بعد أن «قام» نظام جديد في دمشق يرطن بالاسلاموية الاميركية وينظر الى إسرائيل كجارة يُمكن التفاوض معها حول الجولان او تأجيرها اياه لمدة قرن من السنين, وأعلن بالتالي, انفكاكه عن العروبة وانخرط في تحالف جديد تكتب واشنطن جدول أعماله وتصدّق تل ابيب على اولوياته.
نتحدث هنا عن سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية وخصوصاً عن تلك الشخصية الانعزالية الميليشاوية التي تحالفت مع اسرائيل ودعت علناً الى قيام الكونفدرالية في لبنان، وطالبت علناً بالانفصال عن محيطها العربي، لأن لبنان غير عربي وليس مضطراً للالتزام بملفات وقضايا العرب المزعجة، قال جعجع هذا الكلام اثناء الحرب الاهلية ولم يتردد في تكراره بعد اتفاق الطائف وهو يغتنم كل مناسبة لإعادة التأكيد على مطالبه تحت طائلة تلبية مطالبه وإلاّ.
ظهر جعجع كثيراً على شاشات التلفزة خطيباً ومُحاوِراً ومُنظِّراً، وهو لا يفوِّت اي حدث للتعليق عليه وزج نفسه في تفاصيله فقط للبقاء في دائرة الضوء, بعد ان انحسرت عنه وعن حلفائه وبعد ان تأكد فريق 14 آذار، ان عليه الانتظار طويلاً لـِ(حلحلة) ملف الرئاسة بعد ان دخلت سوريا مرحلة جديدة تجلت في الانخراط الروسي المباشر فيها، وقبلها بعد أن تلقى هذا الفريق المُرتهِن لواشنطن وباريس وبعض العواصم الاقليمية, صفعة مدوية تمثلت في صمود النظام السوري وسقوط الرهانات على ان انهياره مسألة وقت, بل وجاء دور حزب الله فاعلاً ومؤثراً في تعديل موازين القوى والبروز كرقم مهم في معادلة الحرب والسلام في المنطقة, متجاوزاً حارات بيروت وزواريب احيائها وثرثرات نُخَبِها التي باتت في تيه عميم.
جعجع الذي صدمه - كما حلفاءه في فريق 14 آذار - الحراك الشبابي الرافض لزعماء الطوائف والمليشيات ولوردات الحرب والنخبة السياسية التي تتوارث الالقاب والمناصب والثروات, ينعي دور هذا الحراك ويتوقع فشله، لأنه رفع شعار «اسقاط النظام» وتمسك بعبارة «كُلّن يعني كُلّن» محاولاً النأي بنفسه وحزبه عن تهمة الفساد التي يطلقها الشباب اللبناني على معظم الطبقة السياسية والحزبية اللبنانية, مُطالباً (الحراك) بمحاسبتهم ووضع قانون انتخابي جديد قائم على مبدأ النسبية, كي يقطع الطريق على جزء كبير من هذه «الطبقة» التي لا يغادر منتسبوها مناصبهم الا كي يورثوها لابنائهم عندما يعصف بهم المرض أو يأخذ الباري ارواحهم, اما عدا ذلك, فهم سادة في الحرب وسادة بعد الطائف واسياد كل الاوقات, ارصدتهم تتضخم واملاكهم تتزايد وفجورهم لا حدود له.
ولأن سمير جعجع ما يزال حتى اللحظة مرشحاً رئاسياً ومدعوما من حليفه او لنقل وارث رفيق الحريري. سعد الدين, فإنه جزم بأن لا دور لبشار الاسد, لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا, هكذا حسم «الحكيم» المسألة, وبالتالي آن للجميع ان يُدركوا بأن ما يجري من حوارات ونقاشات وتحركات اقليمية ودولية في هذا الشأن محكومة بالفشل, كون هذا السياسي البارع والمتنبئ السياسي فريد الطراز والصفات, قد قرأ في الفنجان «الاقليمي» استحالة دور كهذا للرئيس السوري, وعلى بوتين كما كل الذين ايدوا وجود الاسد خلال المرحلة الانتقالية, ان يستخلصوا دروس التاريخ وان يسيروا على طريق الحكمة الجعجعية, التي اثبتت الايام صحة ودقة وعمق قراءاتها وتحليلاتها وخصوصاً استخلاصاتها وتوقعاتها, كيف لا وان مجرم الحرب الذي ادانته المحاكم اللبنانية بجرائم قتل واغتيالات موصوفة «يَغرِف» من تاريخ روسيا قبل ثورة اكتوبر ويقول - لا فض فوه - ان الثورة الروسية «الفعلية» عام 1916 صادرها البلشفيون الذين كانوا قلة قليلة, ولهذا فإنه لا يتنبأ فقط بانتهاء دور بشار الاسد وموته سياسياً, وانما يبشّر الشباب اللبناني الشجاع والجريء الذي كشف زيف وكذب الطبقة السياسية والاقطاعية الحاكمة، بفشل حراكهم لانهم مجرد قِلّة قليلة, ثم راح يغمز من قناة الكنيسة الارثوذكسية الروسية التي وقفت الى جانب الرئيس فلاديمير بوتين ويتهمها بخدمة النظام السياسي الروسي, في الوقت ذاته الذي عاب فيه على موسكو تدخلها العسكري معتبراً أن لها اهدافاً «اخرى» غير محاربة داعش, مُنكِراً على زعماء الدول الاوروبية دعوتهم الى التحادث مع الاسد لمحاربة داعش قائلا مستر جعجع -: اذا اردنا مواجهة داعش, علينا أن ننتهي من نظام الاسد, لنصل الى حياة سياسية سوية في سوريا, متسائلا: لا اعرف كيف ان المسؤولين في الغرب لا يعون هذه المعادلة ويطرحون التعاون مع الاسد... لمحاربة داعش؟
أرايتم مدى يأسه وبؤس تنظيره وتهافت مَنطِقِه ومنطق الذين ما زالوا يراهنون على دوره الدموي والتخريبي في لبنان.. والمنطقة؟
&

&

&