علي الصراف&


ليس اليوم، ولا بالأمس، بل منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، وسياستها الخارجية تعتمد على جملة قيم ومبادئ، هي ذاتها القيم والمبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي وتتوافق عليها كل شعوب العالم، وتجد فيها أساسًا للسلام والرخاء والأمن.

وتتجسد هذه القيم والمبادئ على مساحة شديدة السعة لعلاقات المملكة الخارجية. الأمر ينطبق على دول ذات مصالح واستراتيجيات مختلفة، كما على دول ذات توجهات سياسية وأيديولوجية مختلفة. فمن شرق الأرض إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها، فإن ثمة عاملاً ثابتًا يهيمن على كل تلك العلاقات هو: التعاون من أجل خدمة المنافع المتبادلة. وعلى أرض تتوسط كل الاختلافات المحتملة، فإن هذه العلاقات ظلت تمضي قدمًا على الأساس نفسه.

لا يعني ذلك، أبدًا، أنه لم يكن للمملكة خصوم. ولكن المدقق، في هذه الخصومة أو تلك، سرعان ما سوف يكتشف أن السعودية لم تسع إليها، ولم تبدأ بها، ولم تحرص عليها، وفي الوقت نفسه فإنها لم تأل جهدًا من أجل إيجاد تسوية عاقلة وعادلة لها. يشمل هذا الأمر إسرائيل في خضم صراع محتدم في المنطقة منذ العام 1948 حتى اليوم. فبالرغم من كل العداء، الذي لم يطلبه أحد، فإن مبادرات السلام التي رعتها السعودية، تحولت في الواقع إلى علامة مرجعية فارقة من علامات الدبلوماسية الدولية.

لو جاز للمرء أن يجول بنظره حول العالم، فإنه لن يجد اليوم إلا عدوين آخرين فقط: إيران، وتنظيم داعش.

الأمر لافت بحد ذاته. فإن يقف هذان الطرفان على ضفة واحدة، يعني أنهما يشتركان في مصلحة واحدة. ويعني أنهما حليفان، ولو من الناحية الموضوعية.

ولكن الأمر ذو دلالة أبعد. ذلك أنهما لا يشتركان في العداء فحسب، ولكنهما يؤسسانه على قاعدة منهجية واحدة أيضًا.

الصلة بين إيران وتنظيم داعش قد تبدو غامضة، لو نُظر إليها من زاوية الشكوك المخابراتية والروابط النفعية التي تجمع التطرف بالتطرف. ولكن الغموض يزول إذا ما نُظر إليه من ناحية الأسس التي ينطلق منها هذان الطرفان.

فكلاهما يستند إلى رؤية مذهبية شاذة، متطرفة، وتنأى عن الإجماع من جهة، والوسطية التي تميز الإسلام من جهة أخرى.

وكلاهما يستند إلى رؤية سياسية تقوم على رفض مفهوم الدولة الوطنية. وهي رؤية لا تأبه لأي قيمة من قيم السيادة الوطنية. ورفض المفهوم، يعني من الناحية العملية، رفض كل شيء يليه.

وكلاهما يسعى إلى «دولة» من نمط جديد، تبدو مختلفة، فيما بينهما، في الظاهر، ولكنها واحدة في الباطن. فالفارق المنهجي يكاد يكون معدومًا بين «دولة الولي الفقيه» و «دولة الخليفة أبو بكر البغدادي».

وكلاهما مليشياوي الأسس والهوى والأدوات.

وكلاهما يمارس نفوذه بالقوة ويسعى إلى إملاء إرادته عن طريق العنف المسلح.

وكلاهما «يبدأ» من اعتبار الآخر كافرًا. و»يبدأ» في العلاقة مع الآخر على أسس: الثأر، الحقد، الكراهية، التخوين، التجريم، ... الخ من الاعتبارات التي تستند إلى غرائز موجوعة.

وكلاهما «دولة حرب» دائمة، تستوجب النشر والتصدير.

وكلاهما سخيف الحجة، هزيل المنطق، فاقد للعقل، وبعيد عن الموضوعية التي تشكل شرطًا لازمًا لإدارة أي دولة.

فإذا كانت كل دول العالم تضع في نظر الاعتبار مصالح شعوبها في المصاف الأول، فكلاهما يهزأ بهذه المصالح، ويستنكرها، ويعتبر الحيد عن «دولة الحرب» كفرًا.

هذان العدوّان (بكل ما لهما من أتباع وزبانية) لم يقفا على ضفة واحدة عبثًا. أنهما لا يتصرفان كعدو واحد فحسب، ولكنهما ينتهجان منهجًا واحدًا أيضًا. وكم كان من الحري ببقايا الدولة في إيران أن تدرك أن الميول الإرهابية والنزعة المليشياوية، قد يمكنها أن تُحدث ضررًا، إلا أنها لا يمكن أن تغلب أبدًا. من ناحية، لأن «دولة الحرب» فيهما لا تستطيع أن توفر لنفسها الموارد الكافية لتغذية جحيم الغرائز الحاقدة.

ومن ناحية ثانية، لأن الدلائل الواقعية تثبت أن ذلك الجحيم يحرق أهله أولاً. ومن ناحية ثالثة، لأنهما لا يحاربان دولة واحدة أو مجموعة دول، وإنما قيم ومبادئ يحتاجها العالم بأسره. وكم كان من الحري بهما أن يدركا أنهما يخوضان معركة بائسة وسخيفة وخاسرة.