&سركيس نعوم

&يتابع القريبون من "حزب الله" وأمينه العام السيد حسن نصرالله شرح الأسباب التي دفعت الأخير إلى إطلاق مبادرة "التسوية الوطنية الشاملة"، فيشيرون إلى معرفته أنه وفريقه قادران على "التعطيل" في البلاد أي على ممارسة حق النقض، وإلى معرفته أن الفريق الآخر لا يستطيع أن يُبادر أو أن يحقّق شيئاً بسبب ذلك رغم امتلاكه غالبية في مجلس النواب. كما يشيرون إلى معرفته أن السنَّة والشيعة في لبنان، إذا وُضِع اللاجئون الفلسطينيون وغيرهم جانباً، متساوون عددياً ربما مع أرجحية سنّية طفيفة. ولذلك هو يرى أنه لا بدّ من التفاهم على تسوية تمكِّن لبنان من انتظار نهاية ما يحصل في سوريا من حروب متنوعة كي يستطيع أفرقاؤه البحث جدّياً في حل نهائي يجمع اللبنانيين وينهي خلافاتهم.


كيف يتمّ ذلك؟ أو ما هي الخطوات التي تجعل إتمامه ممكناً؟


بإقدام "تيار المستقبل" وزعيمه الرئيس سعد الحريري على إظهار التجاوب مع الدعوة الأخيرة للسيد نصرالله إلى التحاور من أجل الاتفاق على "تسوية وطنية" مرحلية تتناول قضايا ثلاث أو أربع تُبقي الدولة ومؤسساتها على قيد الحياة، يجيب القريبون من "الحزب" أنفسهم. فهل أعطى الإثنان مؤشرات إلى استعداد للتجاوب أي للبحث مع "الحزب" في عناصر مبادرته وليس للتسليم بها أمراً منزلاً؟ وهل أن لدى المرجعية الإقليمية للإثنين وهي المملكة العربية السعودية استعداداً للتجاوب ولدفع حليفيها إلى الحوار؟ والجواب عن ذلك في رأيهم هو أن ما صدر حتى الآن عنهما ينطوي على بعض التناقض، كما أن شيئاً محدَّداً لم يصدر عن السعودية. طبعاً، يستدرك هؤلاء، لـ"حزب الله" بدوره مرجعية إقليمية هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكنه لا يحتاج في هذا الموضوع الداخلي المهم إلى موافقتها المسبقة. فهو يستطيع أن يقرِّر فيه. ويتساءلون عن أسباب عدم التجاوب السعودي. ويتلقّون عن هذا التساؤل أجوبة من أصدقاء لهم يتوزعون سياسياً وطائفياً ومذهبياً على كل الأطراف في لبنان. يفيد بعضها أن المملكة منخرطة أو ربما "متورِّطة" حالياً في حرب اليمن وفي الحروب السورية، ولا يهمها لبنان كثيراً إلا من زاوية الاحتفاظ به مركز نفوذ سياسي، أو بالأحرى من زاوية المحافظة على ما يحتفظ به حلفاؤها فيه من نفوذ وسلطة. وهي انطلاقاً من ذلك خفّفت أو بالأحرى خفَّضت إنفاقها المالي في لبنان، وشمل ذلك في الدرجة الأولى حلفاءها. ويفيد البعض نفسه من الأجوبة أن الموقف السعودي المشروح هذا خاطئ. ذلك أن ما يحصل في سوريا يؤثِّر على لبنان. وإذا كانت غير مهتمة عملياً بلبنان فإن الحرب والنار السوريتين ستنتقلان إليه إذا لم يتمّ التوصُّل إلى تسويات داخلية وإن موقّتة. وستصاب هي بمزيد من الإرباك. ويفيد بعض آخر من الأجوبة أن المشكلة اللبنانية المشار إليها أعلاه هي سعودية في جزء منها. هي أولاً مشكلة الرئيس سعد الحريري. فهو لا يبادر مثلما كان يفعل والده الشهيد. ورث منه شعبيته الواسعة لكنه يكاد أن يبدِّدها، كما يمكن أن يتبدَّد ما حصل عليه ورثته من ثروة متنوعة. ولم يرث نشاطه. فضلاً عن أن علاقاته بقادة المملكة وزعمائها ليست كالتي كانت لوالده. فالذين عاصرهم الحريري الأب من هؤلاء لم يكونوا بالغي الإهتمام بلبنان بدليل نجاح الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في إخراج المملكة من لبنان عسكرياً (بسحب وحدتها من "قوة الردع") وسياسياً ونفوذاً، واحتفاظه في الوقت نفسه بعلاقة جيدة معها وبدعمها. لكنه وبروح المبادرة لديه وبأفكاره أحيا اهتمامهم اللبناني وأعادهم إلى لبنان. كانت عنده رؤية، وكان عنده مشروع، علماً أن اللبنانيين اختلفوا على الأخير إذ اعتبره بعضهم مفيداً للبلاد وبعضهم الآخر مؤذياً لها وله.
ويفيد البعض الأخير من الأجوبة أن بعض المشكلة هي في "تيار المستقبل" الذي صار يضمّ متنافسين في ما بينهم ومع رئيسهم الحريري على رئاسة الحكومة. وهي أيضاً في الغياب الطويل للحريري عن لبنان المبرّر أمنياً لا سياسياً وشعبياً. إذ أن الخطر الأمني يتهدّد غالبية الزعامات والقيادات اللبنانية.


علماً، يقول القريبون أنفسهم من "حزب الله"، أن المشكلة في الرئيس سعد الحريري كانت قائمة عندما كان رئيساً للحكومة، وكان يقسِّم "إقامته" إذا جاز التعبير على هذا النحو بين لبنان والخارج، وكان نشاطه طفيفاً بعكس والده الراحل الذي كان يستيقظ باكراً للعمل وينام متأخراً بسببه، وكان يقال "إنه لا ينام ولا يدع أحداً ينام". وكان يفكِّر في مشروعات، وفريقه الطامح الآن لوراثة نجله سعد كان دوره فقط تسجيل الأفكار وربما تحسينها وبلورتها من أجل تنفيذها.


لماذا أُسقِطت حكومة سعد الحريري؟