أيمـن الـحـمـاد

&يبدو خبر دعوة حلف شمال الأطلسي جمهورية "مونتينيغرو" أو الجبل الأسود للانضمام إلى "الناتو" عابراً إلى حد ما فيما لو كانت تلك الدعوة قد أتت في وقت آخر، وليس هذه الأيام التي تشهد حالة توتر واحتقانٍ شديدين بين الحلف الذي جاء كأحد مفاعيل الحرب الباردة، وتحت شعارات لصد أي هجوم متوقع من الجمهوريات السوفياتية.

تاريخياً تقرأ روسيا الحديثة توسع حلف الناتو نفوذه في أوروبا من منظور سوفياتي يُفسر تلك الخطوات التوسعية على أنها محاولة لتطويقها وتقليص نفوذها، وتشتد الأزمة أكثر عندما يقترب الحلف من مناطق ترى روسيا أنها مناطق نفوذ لها، وتحديداً مناطق أوروبا الشرقية حيث الإرث السوفياتي لايزال حاضراً في أذهان الطبقة السياسية التي تحكم أوروبا اليوم وعلى رأسها ألمانيا.

وتبرز معالم جديدة لمسوغات ذلك النفوذ الروسي في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حيث الحضور السائد للكنيسة الأرثوذوكسية في شرق أوروبا والبلقان التي تعد جمهورية "الجبل الأسود" إحدى دولها والتي كان الحضور العثماني فيها كاسحاً، ومن هذا المنطلق ترى تركيا الحديثة أن البلقان "حديقة خلفية" لها بل مسوغٌ على أوروبية تركيا إن صح التعبير.

وفور إعلان الحلف الأطلسي أن وزراء خارجية الحلف اتخذوا قراراً تاريخياً بالإجماع لبدء محادثات انضمام "مونتينيغرو" أو الجبل الأسود لتصبح الدولة ال 29 العضو في الحلف، اعتبرت روسيا تلك الخطوة ضربة أطلسية خطيرة تهدد الاستقرار، وهددت بإجراءات ضد الجمهورية البلقانية بإيقاف التعاون العسكري معها.

وفي حقيقة الأمر لا يمكن فصل دعوة الناتو عن سياق التدخل الروسي في سورية التي تعتبر جغرافياً منطقة حدودية لنفوذ الناتو حيث تركيا إحدى أهم دول الحلف، ولا شك أن التصعيد العسكري من موسكو هناك واحتدام الصراع وتمدده، والخوف مما آلت إليه الأمور بين تركيا وروسيا التي أُسقطت طائرتها الحربية بعد اختراقها المجال الجوي التركي كانت عاملاً محفزاً لهذه الخطوة السياسية.

إن التدخل الروسي لا يمكن سوقه في إطار إنقاذ النظام السوري من السقوط أو محاربة التطرف فقط بقدر ما يأتي للحفاظ على التواجد الروسي جنوب المتوسط وعلى حدود الناتو، وليس وجوداً رمزياً فحسب بل في شكل تواجد عسكري معتبر يضم منظومة أسلحة روسية متقدمة.

يضاف إلى ذلك إعلان موسكو فور تدخلها العسكري في سورية تشكيلها غرفة عمليات استخباراتية تضم العراق حليف واشنطن التي حذرت من قيام موسكو بضربات عسكرية في داخل العراق، وبالتالي أصبحت حدود الناتو الجنوبية التي تمثلها تركيا شبه محاطة بسورية والعراق وإيران التي تربطها حدود جغرافية مع تركيا، ومن هنا يأتي السؤال المشروع مَن يطوّق مَن؟

هل الناتو بإجراءاته التوسعية في شرق أوروبا وجمهوريات يوغوسلافيا السابقة أم روسيا التي تصعد عسكرياً جنوب تركيا وشمال سورية؟
&