&إنها بيروت المشتهاة الأميرة، و«الدواعش» حولها كثيرة!


غادة السمان

&بيروت تستغيث: دعوني أحيا… كفى عنفاً


ولذا، وقبل أسابيع حظي ضحايا الهجوم (الداعشي) وأهلهم في قلب الضاحية الجنوبية البيروتية بتعاطف قلبي صادق، ومن الطوائف اللبنانية كلها وحزنت بيروت لفداحة الخسائر. لكنه لم يكن الاعتداء (الدواعشي) الاول ولن يكون الأخير. (فالدواعش) يغلون حول بيروت/لبنان كما أسماك القرش حول فريسة مشتهاة من زمان، عروس بحر تحميها «عصا الحرية» السحرية، من شرور (الدواعش) متعددي الوجوه والجنسيات.. ولهم أقنعة عديدة وأصوات عديدة يبدلونها وفقاً لروزنامة مصالح خارجية متحالفة مع أخرى (داخلية). ولكن، تحاول بيروت التعبير عن رغبتها في الحياة والاستمرارية ورفض جرها إلى سلك الجندية الاجبارية في «جيوش عشاق الموت».. وأجمل أساليبها في رفض «ثقافة الموت» نجدها في حقل العطاء الإبداعي المحلي والزائر الذي تبدعه أو تحتضنه وتندمج فيه. وصحيح أن الرد على المسدس بريشة الألوان وإبداع الأقلام يشبه حرباً بسيف دونكيشوت، لكن بيروت لا تقاتل طواحين الهواء حقاً بل ترفع رأسها العاشق للحرية في مواجهة أعتى القوى التي تريد استعمال لبنان ساحة مقايضة ورقعة صغيرة في شطرنج لعبة الأمم.. ويرفض معظم لبنان ذلك مصمماً على متابعة دوره الحضاري… وهكذا ترتفع في فضاء بيروت القبضات التهديدية السياسية وعصيها، إلى جانب قبضات قادة الأوركسترا الموسيقية بعصا الموسيقى السحرية!
بيروت لا تموت… عاصمة الحرية العربية


بيروت تغلي حياة في الحقول كلها بين موت وآخر وانفجار وآخر وخبر يثير الذعر في النفوس وآخر. وقارب هجرة مطاطي يغرق بمن فيه وآخر.
بيروت تبكي موتى الوطن بإتقان ولكنها تقرر ايضاً أن تحيا على الرغم من أنف الذين يبيعونها بدرهم فضة مقابل جلسة على (الكرسي المسحور).
في يومي الاول في بيروت ذهبت للتسكع مع صديقة بيروتية قالت إنها ستصطحبني أولاً إلى عرض فني مذهل وممثلين سيقدمون «المقصلة» ـ «عرض شارع» لمارينا وماضي ـ فرقة لورا ستام وكورين هارتلي (من هولندا). وإلى عروض مسرحية طليعية أخرى تقوم بالتعريف على الحياة الفنية المحلية والعالمية لا الموت اليومي اللبناني.
ثم إن بيروت ما زالت على الرغم من كل شيء تتمتع بالطرافة في عروضها وتقدم «مهرجان الشوكولاته ومهرجان الطبخ» على الرغم من «مهرجان طابخ السم» الذي تعيشه.. وترى صبايا جميلات في ثياب من نمط ما قل ودل من مادة الشوكولاته لا غير وعلى الرصيف الآخر (دواعش) بثياب لها زنار متفجر.. إنها بيروت وفيها من يقتل اللبناني لا العدو الاسرائيلي الذي يباهي اليوم بأنه الدولة الوحيدة المستقرة في (المنطقة) ويكاد ـ للأسف الشديد ـ يكون على حق!


تريد الاستماع إلى الموسيقى الراقــــية؟ الذين ذهــــبوا إلــــى «كنيســة القديس يوسف» مثلي حظــــوا بذلك، بفضـــــل «المعهد الوطني العـــالي للموسيقى»، وإبداع رخمانينوف وفورجاك.
في بيروت المنتحرة يتابع الإبداع حياته!


تريد الذهاب إلى المتاحف؟ أبدأ بمتحف سرسق الذي أعيد افتتاحه (إذا وصلت إليه حياً ولم يطح بك انفجار ما).
حقل المسرح ايضاً يغلي بالعطاءات المختلفة، كما السينما الجديدة الشابة. مسرح مونو يعرض «مسرح الجريمة» لبتي توتل. أما «أسرار الست بديعة» فتنكشف للمتفرج في مسرح «مترو المدينة» في شارع الحمراء وقدمته ندى أبو فرحات. المخضرم جيرار افاديسيان. يحيى جابر يقدم مسرحيته «بيروت فوق الشجرة» وهي بحق كذلك! ومحمود حوراني يستلهم مأساة المبحرين إلى الموت في «ألف تيتانيك وتيتانيك».. حمى الله باخرة لبنان من الغرق كباخرة «التيتانيك»!!


على الرغم من القمامة


المعارض الفنية أيضاً مزدهرة في بيروت، في إعلان إبداعي عن رفض الموت!.. ها هي لوحات فانيسا الجميل في «غاليري عايدة شرفان» بألوان حية دافــئة وأسلوب خاص عصري مميز.
وها هو الفنان اللبناني المقيم في عمان جورج باسيل يعرض (سباياه) الجميلات في لوحات تعري مفاتنهن (أو عيوبهن) في غاليري «آرت اون في الجميزة»/بيروت. وثمة معرض ضخم في «مركز بيروت للمعارض» يضم مجموعة من الطليعيين بعضهم مشهور في عواصم أوروبية عالمية فنياً واسم المعرض «أرض القلب» عن الحنين إلى لبنان.. وثمة «معرض الكتاب» السنوي الشهير في «البيال../بيروت الذي تشارك فيه العشرات من دور النشر المحلية والعربية.
وثمة ايضا معارض لفن الصياغة للمجوهرات كمعرض جيهان علامة (زوجة المطرب راغب) في الجميزة/بيروت بعنوان «زيني نفسك بالمجوهرات» وهو أمر لا ترفضه امرأة لولا ضيق ذات اليد!! والفقر الطارئ هو بفضل الذين يقومون بشل مؤسسات لبنان وإفقاره بضربة (أمنية) مطلع كل صيف تنجح في (تهريب) السائح العربي وإفشال الموسم السياحي وإفقار الناس.


دكتوراه في الفساد


ومن الجميل أيضا صدور مجلة جديدة «شؤون ثقافية» عن وزارة الثقافة اللبنانية الآن بالذات أطلقها الوزير روني عريجي وتضم منذ عددها الأول موضوعات راقية.
ثمة (مسؤولون) لا يشعرون بالمسؤولية إلا تجاه جمعهم المال حازوا دكتوراه فخرية في الفساد من الشعب وثمة من لا يرغب بغير العطاء ويستحق دكتوراه إبداع نكاد نسهو عنهم.
الغليان الابداعي اللبناني البيروتي في الحقول الفنية كلها صرخة واحدة في وجه ثقافة الموت: أريد أن أحيا..
إنها بيروت التي أخطط كل يوم في باريس للعودة إليها كمدمنة وطن، وفي الليل أحتضن جاري «برج إيفل» وأنام بكل ضعف بشري!
&