عبدالله عبيد حسن

الحرب ضد «داعش» أصبحت الاختصار المخل للحرب العالمية ضد الإرهاب ومنظماته متعددة الأسماء. فالخلل في توصيف الحرب الدائرة الآن في العراق وسوريا ليس قاصراً فقط على أجهزة الإعلام الغربية، وبخاصة الأميركية، وإنما يمتد أيضاً إلى السياسيين والحكام الغربيين وفي طليعتهم الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته ومعارضيه من الجمهوريين المشرعين والمرشحين للرئاسة الأميركية. وفي تصوري أن هذا الاختصار المخل للحرب ضد الإرهاب المتأسلم في سوريا والعراق ليس وليد الصدفة، وإنما هو تعبير عن فهم هؤلاء السياسيين لهذه الحرب المهلكة التي يقودونها بلا خطة واضحة المعالم، وبلا حساب للمستقبل، وهو أمر ينعكس الآن على الخلافات العميقة بين قادة التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة وبين روسيا وحلفائها. بل إن الاختلاف في تحديد وتسمية مَن هو الإرهابي، واقع أيضاً في صفوف قادة التحالف الدولي، لكن الدبلوماسية تجتهد لتغطيته.

يوم الاثنين الماضي خرج الرئيس أوباما من اجتماعه بقادة القوات المسلحة الأميركية، فقدم للصحفيين بياناً عدد فيه إنجازات الحرب ضد «داعش» خلال هذا العام، وكم قتلت القوات الأميركية من قادة «داعش» في سوريا، معلناً أسماءهم وصفاتهم، وكم دمرت من ناقلات بترول تهرب بها «داعش» البترول السوري (لم يقل إلى أين تهرِّبه؟). كما أعلن أنه وجه أوامره بتصعيد الحرب ضد «داعش»، وطمأن الشعب الأميركي إلى أن الحرب ضد التنظيم حققت في نوفمبر الماضي وحده نتائج أكبر مما تحقق فيما سبقه من أشهر. وقال إنه أمر وزير دفاعه (كارتر) بالتوجه إلى الشرق الأوسط والتحدث مع الحلفاء في المنطقة وإفهامهم بأن المرحلة القادمة تحتاج منهم إلى تقديم مساهمة أكثر مما هو حادث الآن.

&


وتساءل أكثر من معلق أميركي: من هم «حلفاؤنا في الشرق الأوسط» الذين يريد أوباما منهم المساعدات العسكرية؟! فإسرائيل مثلاً من بين «حلفائنا في الشرق الأوسط، بل الأكثر قدرة على تقديم المساعدات العسكرية المطلوبة، فهل يعني الرئيس أن وزير الدفاع سيطلب من إسرائيل «المساعدة» بإرسال قوات إلى سوريا لمحاربة «داعش»؟!

وفي الوقت يتجه وزير الدفاع الأميركي إلى الشرق الأوسط، فقد سبقه بالتوجه إلى موسكو وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» للاجتماع بنظيره الروسي ولقاء الرئيس بوتين، في محاولة جديدة لتقريب وجهتي النظر بين البلدين حول مسألة مصير الرئيس بشار الأسد، كما قالت الصحف الأميركية. لكن خلافات الجانبين ليست قاصرة حول «مسألة الرئيس بشار الأسد»، فهنالك خلافات أعمق، في مقدمتها الاختلاف في وجهات النظر حول تحديد من هم الإرهابيون الذين يتعين على الحلفاء الجدد والقدامى محاربتهم في سوريا والعراق إلى جانب «داعش»؟

وقد استبق لافروف، وزير الخارجية الروسي، وصول نظيره الأميركي إلى موسكو، بمؤتمر صحفي وجّه فيه انتقادات حادة للسياسة الأميركية في سوريا، وموقفها من تحديد هوية الإرهابيين العاملين هناك، وامتناعها عن ضربهم بالطيران والصواريخ، وموقفها الخطأ من رئيس الجمهورية السورية، وعدم اعترافها بأنه الرئيس الشرعي الوحيد، وأن أي عمل عسكري أو سياسي في سوريا يجب أن يتم بطلبه وموافقته.

وبالعودة إلى المؤتمر الصحفي لأوباما، قد يتساءل البعض عن أساب عقده في ذلك اليوم (الاثنين) وفي المكان (البنتاجون) تحديداً؟ والإجابة البسيطة أن الرئيس كان يعرف أن اليوم التالي هو يوم الثلاثاء حيث يعقد المرشحون الجمهوريون للرئاسة «حوارهم» الأخير، وأنهم جميعاً، من متطرفهم الأكبر (ترمب) إلى معتدلهم المهذب (جب بوش)، سيكيلون له الاتهامات المعتادة، بدءاً بضعف إدارته وفشلها في محاربة «داعش»، إلى تهاونه حيال إدخال اللاجئين السوريين الخطرين على أمن وسلامة المواطن الأميركي. والرئيس أوباما يعلم أن «داعش» والحرب عليه ستكون محور معركة انتخابات الرئاسة القادمة في نوفمبر 2016، لكن ليست قوى اليمن المتطرف وحدها التي قررت جعل «داعش» والحرب ضده في قلب المعركة الانتخابية، وإنما أيضاً جمهورها من الناخبين.
&