& هتون أجواد الفاسي

ووصل العد إلى واحد وعشرين امرأة فائزة بالانتخابات البلدية (وفق تصريح رئيس اللجنة الإعلامية للجنة العامة للانتخابات، الأستاذ حمد العمر، بعد أن لم يتقدم أحد بطعن لأحد من الفائزات). رقم لا يصدق مع ما يبدو من ضآلته مقارنة ب 2083 مقعدا احتله الرجال. لم أكن أتوقع وكثيرات غيري أن تنجح أي امرأة، بل وهناك من الكتّاب من تحدى أن تنجح أي امرأة وراهن على ذلك.

فازت كل من سالمة العتيبي من مدركة بمكة المكرمة، ورشا حفظي ولمى السليمان عن جدة، وعيشة بكري عن جازان، وخضراء آل مبارك عن القطيف، ولجعة بنت حثلين عن النعيرية بالشرقية، ومعصومة عبدالرضا وسناء الحمام عن الأحساء، ومنى العميري وفضية عفنان العطوي عن تبوك، وهنوف مفرح الحازمي عن الجوف، وبقشة فرحان العنزي من الشملي عن حائل، وخيرية منصور القحطاني من الواديين عن عسير، وبدرية الرشيدي ومشاعل السهلي في البطين من القصيم، وحصلت منطقة الرياض على العدد الأعلى، ست فائزات: هدى الجريسي وجواهر الصالح عن الدائرة السابعة، وعلياء الرويلي عن الثانية بالرياض وعفاف القحطاني، منيرة المطيري وأمل الصقر التي نجحت بالقرعة عن ثادق في منطقة الرياض وأوصلت عدد الفائزات إلى واحد وعشرين فائزة.

هنا لا بد من الإشارة إلى التأخر الطويل الذي وقعت فيه لجنة الانتخابات في إصدار الأرقام النهائية للفائزات والفائزين مما يتناقض مع الخط الزمني الذي التزمت به الوزارة.

إني لأجد أن الانتخابات فاجأتنا بكل حبٍّ بوصول هذا العدد من النساء الى مقاعد المجالس البلدية، وأنها أوصلت نساء فاعلات ومتميزات الى المجلس، بل كان عددٌ منهن غير متوقعات ومن أماكن نائية أيضاً، ونجحت المرأة السعودية في تحدي نفسها، رغم أن هناك الكثيرات ممن أرى أنهن يستحققن الفوز أيضاً بكفاءة لكن صادف أنهن ترشحن في مدن لا تتسامح مع المرأة او تتحزب قبلياً ضدهن او ما شابه. ولم تتمكن أيضاً أخريات من الوصول لاستبعادهن دون أن تقدم لنا لجنة الطعون بعد سبباً قانونياً يبرر استبعادهن.

كان يوم السبت الماضي، 12/12/2015 تاريخياً بكل أبعاده، خرجنا إلى صناديق الاقتراع منذ الصباح الباكر لنمارس مواطنتنا ونضعها على المحك. وقد حمل دخولي إلى قاعة الاقتراع وتناول ورقة التصويت والتأشير على مرشحتي فيها ثم إسقاطها في صندوق الانتخابات تداعٍ لذكريات مضت من المطالبات التي تعود إلى بداية أول دورة انتخابية عام 2004 بكل حلوها ومرها وأنا في حملي الأول الذي كان مصنفاً "معرضاً للخطر"، وأنا أتنقل آنذاك مع زميلات مهمومات بالتغيير والإصلاح بين التجمعات النسائية ووسائل الإعلام وأروقة المؤتمرات والملتقيات الثقافية في محاولة لنشر الوعي بأهمية وضرورة مشاركة النساء في العملية البلدية القادمة وبحقنا في المشاركة حينذاك وأن لا قانون يمنعنا منه، ثم ما تلا ذلك من إعادة إحياء للمحاولة في 2010 مع "حملة بلدي" مع عدد من سيدات السعودية الوطنيات تتقدمهن السيدة فوزية الهاني، فكانت أكثر تنظيماً واتساعاً واتساق رؤية وهي تطالب بالمشاركة، مستبقةَ انتخابات 2011 وتعزز تلك المطالبة على أرض الواقع، ليأتي القرار الملكي التاريخي بإنصافنا وتمكيننا. وتتالي الشراكات الرئيسية مع المعهد العربي لإنماء المدن ومؤسسة الوليد للإنسانية وبرنامجا شريكة 1وشريكة 2 الأول لنشر الوعي الانتخابي بين عامي 2013-2014 والثاني لتمكين المرشحات ومديرات الحملات الانتخابية قبل تسجيل قيد الناخبات في 2015، ثم ها نحن اليوم.

اليوم خاضت المرأة والرجل الاقتراع على ثلثي مقاعد المجالس البلدية المحلية والتي تبلغ 2106 مقعداً حيث يتبقى الثلث للمقاعد المعينة والتي سوف يُحدد خلال الأسبوعين القادمة (1053) رجلا وامرأة لها ونتأمل أن تشغل نصفها النساء ممن لم يحالفهن الحظ من المرشحات ومن السيدات الفاعلات ممن سجلن قيد ناخبات.

أكتب هذا المقال من واشنطن بعد أن شاركت في جلسة حول الانتخابات السعودية نظمها معهد دول الخليج العربي بواشنطن أمس الخميس 17 ديسمبر، بمشاركة الصديقة العضوة المؤسسة في مبادرة بلدي ومنسقة جدة، الدكتورة نائلة عطار، والأستاذة عزيزة اليوسف، الناشطة الاجتماعية الحقوقية والمقاطعة للانتخابات، وعضوة بلدي جدة والنائبة في المجلس البلدي بجدة السيدة رشا حفظي عن طريق السكايب، وأدارت الجلسة الدكتورة كريستين ديوان من المعهد، في حضور ملأ كل مقاعد القاعة الثمانين دون أن يتمكن من استيعاب من كان على قائمة الانتظار، وضم الحضور عدداً جميلاً من المبتعثات والمبتعثين لاسيما في مجال القانون وعددا من الدبلوماسيين الأميركيين بمن فيهم السفير السابق في الرياض جيمس سميث وزوجته الناشطة في الوسط النسائي السعودي في الرياض وفي واشنطن جانيت سميث، وعددا من الباحثات السعوديات كالدكتورة هالة الدوسري بل وإحدى مرشحات الرياض، ميساء المانع.

كان هناك تعطش لكل ما يجري في السعودية وكانت هذه الجلسة غير مسبوقة في تقديمها للصوت النسائي السعودي الفاعل من الداخل مئة في المئة والذي يعبر عن عدد من التيارات التي تدفع باتجاه المشاركة العامة وفي تنمية المجتمع. وكان أهم ما خلصت إليه الجلسة التي اتبع فيها أسلوب المقابلة والحوار قبل فتحه للجمهور، ان المملكة تعيش تحولاً جوهرياً في ملف حقوق المرأة السعودية، وحتماً سيعززه برنامج "التحول الوطني" الذي وافق اجتماعه اليوم السابق للقاء، وأن هذا الملف لم يعد ملكاً لفئة من فئات المجتمع التي يطلق عليها فئة سكان المدن، وإنما أصبح شريكاً فيه كل نساء الوطن من الشمال للجنوب، من البادية للقرية، ومن كافة الخلفيات الاجتماعية التي تعكسهن الألف قيادية مجتمعية والمئة والثلاثين مسجلة قيد ناخبة. ولم يعد هناك مفر من مواصلة التقدم إلى الأمام.