عبدالله بن بجاد العتيبي

شهدت الرياض يوم الأربعاء الماضي حدثًا تاريخيًا، حين ألقى ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خطابًا شرح فيه رؤية مجلس الاقتصاد والتنمية الذي يرأسه لـ«السعودية 2020»، فعرض التحديات القائمة والحلول المعتمدة من الوزراء والمسؤولين، وطالب نخبةً متنوعة من شتى فئات المجتمع بالدخول في ورش عملٍ امتدت لساعاتٍ مع المسؤولين، ودعا لتحدي الوزراء ورؤاهم وخططهم.


ملكٌ حكيمٌ، وقياداتٌ شابةٌ، وفكرٌ جديد، ورؤى متكاملةٌ، والتفاتٌ كبير لصناعة المستقبل، وتلبية حاجات المواطنين، ومعرفة بالعالم، وبتوازناته واختلافات سياقاته، ولئن كان غريبًا لدى البعض فإن القيادات السعودية الشابة تعلم أن من واجبات الدولة توفير السعادة لمواطنيها.


واجبات الدولة عديدةٌ، منها فرض السيادة وحفظ الحدود وبسط الأمن، مع رعاية المصالح ودرء الأخطار، داخليًا وخارجيًا، لكن ثمة وظيفة للدولة ربما لا يعيها الكثير، ألا وهي بعد تحقيق ذلك كله تحقيق السعادة، ونشر الرضا، وإشاعة البهجة، وذلك عبر العمل الدؤوب وتراكم الإنجازات وتزاحم النجاحات.


خلق الإنسان وفيه نزعتا الخير والشر، تتغلب واحدةٌ على الأخرى بحسب معطياتٍ متعددة، يشملها الزمان والمكان وغيرهما، وثمة العديد من الجدالات الفلسفية والسياسية التي تفصل ذلك من قبل ومن بعد، وللأسف فهذه اللحظة التاريخية في منطقة الشرق الأوسط والعالم تزدحم بالأعداء الأشرار، أعداء الحياة، وخصوم السلام، وناشري الإرهاب وداعميه، من الجمهورية الإسلامية في إيران التي لم تزل تشنّ حربًا ضروسًا ضد الدول العربية وتحتل بعضها وتنتهك سيادة بعضها الآخر عبر عملاء تابعين لها في أكثر من بلدٍ، إلى جماعات الإرهاب السني والشيعي التي تنشر الدمار والخراب حيثما حلت وأينما وجدت البيئة المناسبة للنمو والتكاثر.


في ظل ذلك فقد أقام الأمير محمد بن سلمان، بوصفه وزير الدفاع، في أقل من عامٍ تحالفين عسكريين؛ الأول: التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وهو التحالف المظفر الذي حجّم وقزّم ميليشيات الحوثي التابعة لإيران وأتباع المخلوع صالح إلى أقصى حدٍ، وحرّر غالب الأراضي اليمنية من سيطرتهم، وضرب إيران ضربةً موجعةً ستظل تتذكرها طويلاً. والثاني: التحالف العسكري للدول المسلمة لمحاربة الإرهاب، وهو التحالف الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان في مؤتمرٍ صحافي عقده الأسبوع الماضي. ويضم هذا التحالف أكثر من أربعٍ وثلاثين دولة مسلمةً.


لقد أوضح التحالف الأول تجاه اليمن أن السعودية دولةٌ قائدةٌ للدول العربية ودولةٌ مركزيةٌ في المنطقة والعالم، لا في قوّتها المعنوية والناعمة فحسب، بل في قوّتها العسكرية والخشنة القادرة على بناء التحالفات وضرب الخصوم والانتصار في الحروب. كما يبعث التحالف الجديد برسائل بالغة الأهمية للعالم أجمع، من أهمها أن السعودية بلد الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومنبع الإسلام ومأرز الإيمان، وهي من تقود الحرب ضد الإرهاب بنفسها عبر تحالفٍ عسكري يمكّن من توفير كل الإمكانات للقضاء على الإرهاب.


حرب السعودية ضد الإرهاب قديمةٌ، وقد سجلت نجاحاتٍ كبرى وقدّمت نموذجًا أمنيًا رائدًا في العالم كله في حربها الطويلة ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، وهذه الحرب تتطور اليوم لتكون حربًا عسكرية شاملةً تتعاضد فيها كل الدول المسلمة وتنسق مع كل دول العالم الرافضة للإرهاب، ويجب أن تتبعها كذلك حربٌ فكريةٌ وإعلاميةٌ واسعةٌ بخططٍ مرسومةٍ وأدواتٍ جديدةٍ وأمدٍ مفتوحٍ، لأن الحرب مع الإرهاب هي حرب وجودٍ وعدمٍ.
صحيحٌ أن الإرهاب لا دين له، ولا طائفة، ولكن صحيح أيضًا أن جماعات العنف والإرهاب في هذه اللحظة التاريخية من عمر البشرية تكاد تكون محصورةً في جماعاتٍ وتنظيماتٍ تنتمي لدين الإسلام، ومن هنا كان الواجب على الدول المسلمة أن تحمل الراية في محاربة تلك الجماعات والقضاء عليها، وهذه فكرةٌ أساسيةٌ في إنشاء التحالف العسكري للدول المسلمة.


ومما يزيد من أهمية هذا التحالف الرسالة الدولية التي يبعث بها، خاصةً مع صعود اليمين المتطرف في الغرب، وخروج بعض النماذج المشوّهة في بعض الدول الغربية، وهي رسالة تقول بوضوح إن الدول العربية والمسلمة تضررت بالإرهاب مثلها مثل بعض الدول الغربية أو ربما أكثر، وإنه لمصالح هذه الدول ابتداءً ولعلاقاتها الدولية ومحبتها للعالم فهي ستكون قائدةً في تلك الحرب الضروس ضد الإرهاب.


وعودٌ على بدءٍ، فالأمير محمد بن سلمان، بوصفه رئيس مجلس الاقتصاد والتنمية، يقود ملفات التطوير الحكومي عبر إعادة الهيكلة وبناء المؤسسات ورسم العلاقات في ما بينها، وهو كما أوضح في كلمته الأسبوع الماضي المشار إليها أعلاه حرص كل الحرص على تأكيد رؤيته التنموية الضخمة للسعودية 2020، التي يريد من خلالها تنويع مصادر الدخل وعدم الاكتفاء بالاعتماد على النفط، مع حرصٍ شديد على بناء اقتصادٍ منتجٍ لا ريعي، وشراكةٍ فاعلةٍ بين القطاع العام والخاص، وتوفير كل العناية لكل طبقات الشعب عبر أحدث النظريات والأفكار الفاعلة والمؤثرة والقابلة للتطبيق والأقرب للنجاح وتحقيق الآمال.


لا شيء في ملفات التنمية يضاهي تعليمًا جيدًا ينتج الأجيال الواعية، ووطنًا تملأه الخدمات المتميزة التي تقف على رأسهاالصحة والتأمين وتكافؤ الفرص وتوفير العيش الكريم والحياة السعيدة. إن بناء التعليم الجيد، الخادم للتنمية، المتوافق مع احتياجات السوق، مهمةٌ جلّى، وبالغة الصعوبة، لكنها في متناول الأيدي لمن بيده القرار والرؤية، وتلبية الحاجات الصحية مثل ذلك، وقل مثل ذلك في بقية الوزارات والأجهزة والمؤسسات الحكومية.


لقد فرض الأمير محمد أسلوبه في العمل والإنجاز، الذي يتميز بالحرص الشديد على الكمال مع السرعة البالغة في التنفيذ، والمراجعة الدائمة والمستمرة لتعزيز النجاح ورتق الخلل، وقد أصبحت إقالة الوزراء والمسؤولين أسهل كثيرًا مما كانت عليه في السابق، وهي محكومة بالإنجاز والنجاح.


تشعر وهو يتحدث ويجيب عن كل الأسئلة من القضايا الداخلية إلى الصراعات الإقليمية وصولاً للتوازنات الدولية بأن سرعة الأفكار في ذهنه أكبر من قدرة لسانه على ملاحقتها، فهو تحدث في كل ملفٍ أو قضيةٍ من خلال معرفةٍ واسعةٍ بالتفاصيل وبالأرقام والإحصائيات الحاضرة في ذهنه، ثم يجمعها في سياقٍ واحدٍ وخطةٍ شاملةٍ مع رؤيةٍ مستقبليةٍ واضحةٍ وواعيةٍ وقابلةٍ للتطبيق والتنفيذ.


أخيرًا، فالأمير محمد متفائلٌ حدّ الإقدام، وواعٍ حدّ التوازن، يساير التنظير حدّ الاستيعاب، ويمضي مع التطبيق حدّ الإنجاز، وهو ينظر ويدير ملفات المنطقة بكل واقعية ممكنة، وبكل عقلانية مدركةٍ، يدعم الحلفاء ويلاعب الخصوم، ويعلم أن الثابت في السياسة هو التغير المستمر.
&