عبدالعزيز العويشق

بدأ العمل على إنشاء غرفة عمليات في الرياض لتنسيق جهود دول التحالف، بحيث تسهم كل دولة في ذلك بحسب قدراتها، ومن ثم تعزيز تلك الجهود بالتنسيق مع المجتمع الدولي والدول الفاعلة في مكافحة الإرهاب

&

لم يأت الإعلان عن التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب يوم الثلاثاء الماضي (15 ديسمبر) مفاجئاً للمتابعين لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لدور المملكة ومجلس التعاون في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة الإرهاب.


أكد الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، أن الإعلان عن تشكيل هذا التحالف -الذي يضم أغلبية دول العالم الإسلامي- أتى حرصا من تلك الدول على محاربة الإرهاب، ولكي تكون من خلاله شريكا فاعلا مع المجتمع الدولي للقيام بهذا الواجب. فهناك عدد من الدول الإسلامية، مثل سورية والعراق واليمن وليبيا ومالي ونيجيريا وباكستان وأفغانستان وغيرها، تواجه الإرهاب بمفردها، ولذلك فإن من أهداف التحالف العمل على تضافر تلك الجهود الفردية، ومن هنا بدأ العمل على إنشاء غرفة عمليات في الرياض لتنسيق جهود دول التحالف، بحيث تسهم كل دولة في ذلك بحسب قدراتها، ومن ثم تعزيز تلك الجهود بالتنسيق مع المجتمع الدولي والدول الفاعلة في مكافحة الإرهاب، وتطوير الأساليب لمواجهته في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومن مهام هذا التحالف كذلك حصرُ المنظمات الإرهابية المستهدفة وتصنيفها، فلن تقتصر المواجهة على تنظيم داعش على خطورته، كما لن تقتصر المواجهة على محاربة الإرهاب عسكرياً وأمنياً، بل ستمتد المواجهة في ساحات الفكر والإعلام كذلك.


ويتّسق الإعلان عن "التحالف" مع رؤية الملك سلمان لمستقبل مجلس التعاون، التي اعتمدها قادة دول المجلس في القمة الخليجية الأخيرة.


ففي المجال الأمني، تهدف رؤية الملك سلمان إلى تعزيز وتسريع خطوات التكامل الأمني بين دول المجلس، بما في ذلك اتخاذ الخطوات الضرورية لتعزيز قدرتها على حماية مواطنيها من مخاطر الإرهاب والجريمة والمخدرات، وسائر التهديدات الأمنية. ويشمل ذلك استكمال إنشاء الشرطة الخليجية، وبقية المنظومات الأمنية الأخرى، وتكليفها بتنسيق وتكامل جهود دول المجلس لمكافحة الإرهاب، ومكافحة التجسس، والتهريب، والاتجار بالبشر، والجريمة المنظمة، والتعاون في مجالات التدريب والتجهيز، وتبادل المعلومات الحيوية فيما بين دول المجلس، وكذلك فيما بينها وبين الدول الصديقة. ويتطلب التكامل الأمني بين دول المجلس استكمال منظومة التشريعات الأمنية الموحدة، بما في ذلك قوانين موحدة لحماية وتحصين المجتمعات الخليجية من مخاطر الإرهاب، وحماية أمن المعلومات.


وأكد إعلان الرياض أن على دول العالم مسؤولية مشتركة في محاربة التطرف والإرهاب والقضاء عليه، أياً كان مصدره، وأشار إلى أن دول المجلس بذلت الكثير في سبيل ذلك، وأنها ستستمر في جهودها بالتعاون والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة بهذا الشأن. ومن هنا أتى إعلان التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب كخطوة أولى مهمة لتحقيق تلك الرؤية.


وفي المجال العسكري، تسعى رؤية الملك سلمان إلى تسريع خطوات التكامل العسكري بين دول المجلس، بما يعزز قدرتها على حماية أراضيها وشعوبها من أي تهديد خارجي، بما في ذلك تهديد الإرهاب.
ويتطلب التعاون العسكري استكمال خطوات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة، التي تم الاتفاق على تأسيسها منذ عامين، واستكمال جهود دول المجلس لتعزيز الحماية ضد الحروب الإلكترونية، وتوحيد العقيدة القتالية، وتعزيز التصنيع الحربي في دول المجلس. وكما رأينا في البيان الختامي الصادر عن قادة دول المجلس فإن تلك الدول منسجمة مع رؤية خادم الحرمين، سواء في التكامل الأمني والعسكري، أو في نظرتها إلى القضايا العربية والدولية، وعزمها على الاستمرار في مد يد العون لأشقائها في الدول العربية لاستعادة أمنهم واستقرارهم، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما أشار إليه الملك سلمان في خطابه في افتتاح القمة. ومع إيمان المملكة ودول المجلس الراسخ بأهمية الحلول السياسية لقضايا المنطقة، فإن من المهم كذلك العمل على حماية المدنيين من القتل والتدمير والتهجير، فكان انعقاد مؤتمر المعارضة السورية في الرياض في 8-10 ديسمبر 2015 عنصراً مهماً لتوحيد صفوف المعارضة المعتدلة، بما يمكنها من تعزيز قدرة السوريين على مواجهة آلة القتل والتدمير التي يديرها نظام الأسد وحلفاؤه، في الوقت الذي تسعى تلك المعارضة للوصول إلى حل سلمي وفقاً لمبادئ جنيف التي تمثل التوافق الدولي والإقليمي لحل القضية السورية.


وفي اليمن، تعمل المملكة وفقاً لرؤية الملك سلمان، على عدة محاور، فهي تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار، تحت قيادة حكومته الشرعية، وتدعم الحل السياسي وفقاً للمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرار مجلس الأمن 2216. وفي الوقت نفسه، تسعى المملكة إلى محاربة التنظيمات الإرهابية في اليمن، ومنع استيلائها على الشرعية، كما أعلنت ودول المجلس عن الإعداد لمؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن، ووضع برنامج عملي لتأهيل الاقتصاد اليمني وتسهيل اندماجه مع الاقتصاد الخليجي، بعد وصول الأطراف اليمنية إلى الحل السياسي المنشود. وسيكون هذا الحل الاقتصادي، مع الحل السياسي، سداً منيعاً يحول دون عودة اليمن إلى مستنقع الفرقة والاقتتال والإرهاب.
&