عبدالله خليفة الشايجي

الأمل معقود على دول مجلس التعاون الخليجي التي هي الأقدر والأكثر كفاءة وقدرة منذ سنوات على قيادة النظام العربي، لما تملكه من قدرات وإمكانيات كانت حتى «عاصفة الحزم وإعادة الأمل» ناعمة من مساعدات ومبادرات ودعم وإسناد ودبلوماسية الدينار والدرهم والتنمية، وتحول دولنا الخليجية إلى شبكة تساند بقية العرب وتدعم التنمية وتحل مشاكل التنمية المستدامة عن طريق صناديق التنمية الخليجية، وتقديم مبادرات وقيادة الركب العربي، خاصة بعد تداعيات ثورات «الربيع العربي» في سوريا وليبيا واليمن ولاحقاً في مصر، إلى أن أتت «عاصفة الحزم وإعادة الأمل» لتكمل عقداً من زعامة دول مجلس التعاون الخليجي للنظام العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، خاصة منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز دفة القيادة. وكانت آخر تجليات الزعامة السعودية لتلك القيادة ليس العربية فقط ولكن الإسلامية بتشكيل «التحالف الإسلامي العسكري»من 35 دولة عربية وإسلامية تمتد من ماليزيا لمالي والنيجر ونيجيريا والمغرب في أقصى العالمين العربي والإسلامي. وجاء في «البيان المشترك بتشكيل تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب»: (للتعاون على البر والتقوى والتزاماً بأحكام ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والمواثيق الدولية الرامية للقضاء على الإرهاب.. وانطلاقاً من أحكام اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره والقضاء على أهدافه ومسبباته.. قررت الدول الواردة أسماؤها في البيان تشكيل تحالف عسكري لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وأن يتم في مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة للتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب، ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، كما سيتم إجراء الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين). وعدد البيان خمسة وثلاثون دولة إسلامية أو ذات أغلبية إسلامية من دول منظمة التعاون الإسلامي السبعة والخمسين.

وكان لافتاً ومتوقعاً أن تتخلف عن الانضمام عن هذا التحالف «المحور» الذي تشكله إيران مع حلفائها العراق وسوريا، والتشكيك والنقاش الصاخب حول انضمام لبنان لهذا التحالف الأكبر والأهم في تاريخ التحالفات في العالم-كما كان متوقعاً بالنظر لسياسات ومواقف الجزائر وسلطنة عُمان عدم مشاركتهما في التحالف، حيث تجاوز عدد الدول المنضوية ضمن التحالف الإسلامي العسكري عدد دول التحالف الثلاثيني التي شاركت في عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي عام 1919، كما يتجاوز عدد دول حلف «الناتو» الثمانية والعشرين.


لكن التحدي الحقيقي هو في كيفية تحويل هذا التحالف الإسلامي الكبير الذي يمثل 90%من شعوب العالمين العربي والإسلامي حسب نظرية التحالفات من تحالف نظري يجمعه هدف التصدي ورفض اختطاف الدين الإسلامي من شرذمة ضالة ضئيلة لا تتجاوز 0.1% من المسلمين لا يتجاوز عددهم مليوناً من متطرفي الدين الإسلامي ووصم 99.9%من المسلمين بالإرهابيين وتأجيج حرب طائفية ومذهبية داخل الدين الإسلامي بين الأغلبية الساحقة السنية 1.3 مليار والأقلية الشيعية 200 مليون-وفي الدفع بصدام وصراع الحضارات بين الإسلام المسالم والغرب بعد استهداف عواصم ومدن صنع القرار في الغرب من إسقاط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، وضرب العاصمة الفرنسية باريس، وضاحية من ضواحي لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية، وقبلها استهداف نيويورك ولندن ومدريد.

والشاهد يبقى أن أكبر ضحايا المنظمات الإرهابية هي الدول والشعوب المسلمة حيث ضرب الإرهاب وخاصة من تنظيم «داعش» ومناصريه في سوريا والعراق، حيث يحتل مساحات شاسعة من البلدين، وفي مصر وليبيا ولبنان والسعودية والكويت واليمن وغيرها. وفي ظل ذلك كله، يبرز وبشكل واضح من ما قد يظهر من قائمة التنظيمات الإرهابية التي كُلف الأردن بإعدادها، والذي ذكر وزير الخارجية الروسي في الأسبوع الماضي بأنه لم يتم الاتفاق عليها-بأن تلك التنظيمات من التنظيمات السُّنية المتطرفة، التي تستهدف الدول الإسلامية بالدرجة الأولى والغرب- وليس التنظيمات الشيعية التي لا تقل خطراً وتهديداً وطائفية عن نظيراتها السُّنية وخاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان. وكان لافتاً تأكيد الرئيس أوباما في الأسبوع الماضي في آخر مؤتمر صحفي له إصراره على تأمين أمن وحماية الولايات المتحدة والشعب الأميركي، وتأكيده على أهمية تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، والحاجة لتوحيد الجهود والإصرار على سحق أميركا لتنظيم «داعش»، ونستهدف قادتها، وقطع خطوط إمدادهم ومصادر دخلهم وبناهم التحتية. سيسجل التاريخ نجاح خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال تسعة أشهر من تشكيل بسرعة وسرية تحالفين هما الأكبر في تاريخ العمل العربي والإسلامي السياسي والعسكري التحالف-عاصفة الحزم في مارس 2015 والتحالف الإسلامي العسكري في الرابع من ربيع الأول في ديسمبر 2015. ويبقى التحدي في تفعيل ذلك التحالف وتحويله لقوة ضاربة توازن وتردع وتتصدى وتؤكد للمسلمين والغرب أن الإرهاب و«داعش» وأخواتها لا يمثلون الإسلام وسماحته ورسالته، فالآية تقول: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً».
&