محمد خلفان الصوافي

لم يعد العرب، قادة وشعوباً، ينظرون إلى سلوكيات ساسة إيران أو إلى اتفاقياتها التي تسعى لعقدها مع الدول العربية، والتي «ظاهرها تجاري»، بالاكتراث أو المبالاة. لأن التدخل الإيراني في الشأن العربي بات يمثل سلوكاً عادياً، حتى أن البعض يطلق عليه «ظاهرة» نتيجة لتكراره. بل إن إيران لديها أسلوب تكاد تنفرد به أو تمارسه وحدها وبامتياز وهو «الاتفاقيات السياحية» التي سريعاً ما تتحول إلى أفكار وتيارات طائفية تعمل على تمزيق النسيج الوطني في الدول الأخرى، والذي يبدو أنه عدوها الأول في أي مجتمع عربي.

أكتب هذا التمهيد على ضوء تطورين جديدين حدثا مؤخراً، ويحتاجان من العرب إلى الانتباه لهما واستيعابهما، كي لا تتكرر عليهم المآسي بسبب التدخلات الإقليمية. التطور الأول، طلب دولة الإمارات العربية المتحدة بإدراج التدخلات الإيرانية في الشأن العربي ضمن جدول أعمال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد الأسبوع الماضي في القاهرة على مستوى وزراء الخارجية، كي يناقشوا تدخل تركيا في الشأن العراقي. فالتدخلان الإيراني والتركي، بالإضافة إلى معاندة إثيوبيا في بناء «سد النهضة» على مجرى نهر النيل، مؤشرات لها دلالاتها حول «العافية السياسية» العربية!

&

أما التطور الثاني، وهو الأحدث والمؤشر على مدى استيعاب العرب للعلاقة مع إيران وإدراك أبعادها، فهو تلك الاتفاقيات التي وقعتها تونس مع إيران، مؤخراً. وفي الواقع أن الظاهر من هذه الاتفاقيات سياحي على اعتبار أن إيران تحاول سد عجز السياحة التونسية من الأوروبيين، بعد أن تأثر القطاع السياحي التونسي بسبب «الإرهاب»، لكن الخبرة مع إيران تؤكد أن مثل تلك الاتفاقية هي مدخل للتوغل ومن ثم التغلغل في الشأن التونسي، وتحويل هذا البلد العربي الذي لا يزال مستقراً وعلى وئام بين أفراد شعبه إلى فرق متقاتلة ومتناحرة، كما حدث في لبنان واليمن.

وغالباً ما تكون الاتفاقيات السياحية الإيرانية ذات طابع «ديني»، وقد فعلت ذلك مع مصر خلال فترة «الإخوان»، أو أنها تتحول لاحقاً لأن تكون «دينية» كما فعلت مع الأردن، لكنها فشلت في المحاولتين بعدما تم كشفها مخططاتها السياسية. وبما أن «الحرس الثوري» الإيراني هو الممسك الفعلي بزمام السياسة في طهران، فإن الرحلات السياحية لابد أن تضم بين أفرادها أشخاصاً من هذه المؤسسة الأمنية يسعون إلى اختراق المجتمع المستهدف من خلال تشييع أفراده وخلق ثغرة في نسيجه تسمح لهم بالحضور الدائم في حياته.

وبنظرة تفحصية، يبدو أن التدخل الإيراني نجح إلى حد ما في بعض المجتمعات العربية، لكن فترة ما بعد قيام التحالف العربي شهدت بروز «صحوة» عربية يقظة حيال مساعي إيران غير الحسنة.

وينفرد السلوك السياسي الإيراني الساعي للتدخل في الشؤون العربية بأنه لم يكن عبر أي تدخل مباشر أو عسكري، وإنما بدلا من ذلك تستخدم إيران «قوتها الناعمة» مستغلة في ذلك عفوية المواطن العربي غير المؤدلج أو الحاجات الاقتصادية لدى بعض الحكومات العربية، وهنا تقوم طهران بتشغيل شبكة من قنوات المنح والعطايا والمعونات، وبفضل هذا الأسلوب تستطيع الدبلوماسية الإيرانية كسب أرضية لها في البلدان العربية التي تقع على أطراف العالم العربي، مثل الجزائر وموريتانيا في الماضي واليوم هناك هذا الحديث المشار إليه عن تونس.

الاتفاقات والمساعدات الإيرانية تقلق الكثيرين في العالم العربي، وتثير اهتمام السياسة بشكل خاص، لأنها «بذور شر» ضد العرب، وعادة ما تكون خطيرة على المجتمع، ولها تبعات على باقي الدول العربية. واللافت في هذا الموضوع هو أن العرب لا يتناقشون فيما بينهم تلك الاتفاقيات التي تهدد استقرارهم لأسباب غير معروفة، ربما لأن العرب يعتبرون الحديث حولها نوعاً من التدخل في شأن بعضهم بعضاً. وربما أيضاً لأن الحساسية فيما بين العرب أعلى وأقوى من حساسيتهم تجاه «التدخلات الإيرانية».

التعاون مع النظام الإيراني «متهم» بأنه سبب للتوتر والقلق في الداخل العربي وللخلافات فيما بين العرب أنفسهم أيضاً. وبالتالي ينبغي مراقبة سلوك إيران، وعلى النحو الذي يجعلنا منتبهين إلى ما تفعله بالعلاقات بين العرب أنفسهم وداخل المجتمع العربي الواحد.

المهم أنه على السياسيين العرب المهرولين تجاه إيران أن يدركوا أنه شتان بين الآمال التي يعلقونها على التعاون مع طهران وبين الطموحات الخبيثة للساسة الإيرانيين. والشواهد كثيرة على ما تفعله إيران عندما تسمح لها الظروف بالتدخل في الشأن العربي، إذ نجدها تصر على ربط المصالح الاقتصادية بالتيارات العقائدية والدينية. لهذا نجد الإمارات، ومعها بعض الدول العربية، عاقدة العزم على مواجهة المخططات الإيرانية وعدم السماح لها بإثارة الفوضى في الداخل العربي.
&