عبدالله بن بجاد العتيبي
التطورات السياسية المتلاحقة في المملكة العربية السعودية أصبحت أسرع وأكبر من سرعة الإعلام في التغطية ومن سرعة المراقبين في القراءة والتحليل، إنه الحرص على تثبيت المنجزات وفتح آفاق المستقبل.
بعد ترسيخ استقرار الدولة ولمّا يمض أسبوع واحد على توليه مقاليد الحكم، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أوامر ملكية جديدة، كبيرة في حجمها وواسعة في أثرها، وذلك في التالي: أولا، تطوير الحكومة بما يشمل إعادة هيكلتها وضخ الدماء الشابة فيها. وثانيا، في العناية بالشعب. وثالثا: في بقية مؤسسات الدولة.
أولا: في تطوير الحكومة، تم إلغاء اثني عشر مجلسا ولجنة من المجالس واللجان العليا والاكتفاء عنها بمجلسين يرتبطان بمجلس الوزراء، مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن نايف وزير الداخلية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان عضو مجلس الوزراء، وهو تطوير بالغ الأهمية للسلطة التنفيذية وطريقة عملها وأسلوبها في الإدارة نحو السرعة والتكامل في الإنجاز، كما تم تعيين عدد من الوزراء الجدد وأكثرهم من الشباب في حكومة كفاءات.
ثانيا: في العناية بالشعب، ومع أن كل الأوامر الملكية تصب في خدمة الشعب إلا أن ثمة جملة من الأوامر تصب مباشرة في خدمة الشعب، منها صرف قيمة شهرين لكل العاملين في الدولة أو الطلاب أو المتقاعدين ومستحقي الضمان الاجتماعي وكل من يرتبط مباشرة بالعمل في الدولة، وكذلك دعم الجمعيات التعاونية والمهنية ودعم الأندية الرياضية، ودعم خدمات الكهرباء والمياه التي ستؤثر مباشرة على قيمة المساكن، وكل ذلك بمبالغ ضخمة وغير مسبوقة، وكذلك بعفو واسع عن السجناء في الحق العام والغرامات المالية، بل والحقوق الخاصة ضمن الأطر المعتمدة لذلك.
ثالثا: في بقية مؤسسات الدولة، في إمارات المناطق وفي المؤسسات الكبرى كجهاز الاستخبارات العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة سوق المال، وكذلك في الجهاز الاستشاري والتنفيذي للدولة.
كل ذلك يقول نحن أمام دولة سعودية مستقرة وتعتمد تطويرا متدرجا وواعيا ويسابق الخطى لتعزيز الوحدة الداخلية واللحمة الاجتماعية ورفع كفاءة العمل الحكومي وإسعاد الشعب عبر إنجاز التنمية، إن السعودية تصنع تاريخا جديدا وتبني حاضرا متماسكا وتعد بمستقبل زاهر وزاهٍ.
على مدى سنوات طوال كانت الرياض رمزا للحرب على الإرهاب، وكانت عاصمة المنطقة والعالم من شرور ما كان يعرف بالربيع العربي، وقد أصبحت في أيام الأسبوع الماضي أشبه ما تكون بعاصمة سياسية للعالم، فقد زارتها زعامات العالم وقياداته، وقد تنافست الدول الحليفة والمحايدة بل والمعادية على الحضور إليها، كما تنافست في درجة الحضور ومستواه، وما ذلك إلا لمكانة الرياض وأهميتها الاستراتيجية إقليميا وعالميا، وأهمية عاهلها الملك سلمان الشخصية وعلاقاته الواسعة حول العالم.
سادت وسائل الإعلام العربية والغربية موجة عالية غطت على بقية الأخبار وأبدت اهتماما مستحقا بما جرى في السعودية من رحيل ملك وتنصيب ملك وولي عهد وولي لولي العهد في فترة لا تكاد تذكر في التاريخ، لقد فوجئت وسائل الإعلام الغربية وبخاصة اليسارية منها وما شابهها بالوفود الكبيرة التي انتقلت للرياض وعلى أعلى المستويات حيث تنافس الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء على الحضور شخصيا، وتقديم واجب العزاء وشد أواصر التعاون وتمتين العلاقات.
اختزل الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته للهند حتى يحضر إلى السعودية ويعقد محادثات سياسية مهمة مع الملك سلمان، تناولت أهم الملفات السياسية في المنطقة من الأزمة السورية إلى الأزمة اليمنية، ومن مشروع إيران النووي إلى جرائم «داعش» والتحالف الدولي ضده.
السعودية بلد الاستقرار في منطقة تعج بالفوضى، وبلد الأمان في منطقة يتخطفها الإرهاب، وكل من يريد استقرارا وسلاما ورخاء للعالم فهي وجهته الأولى ومحطته الأهم، وهذا ما سيزيد رسوخا وحضورا في المشهدين الإقليمي والدولي في المستقبل القريب.
إن السعودية ليست نفطا فحسب على أهمية النفط، والسعودية ليست حربا على الإرهاب فحسب على أهمية محاربة الإرهاب، السعودية دولة كبرى في المنطقة والعالم، أسهمت وعلى مدى عقود في ترسيخ الأنظمة الدولية ودعم السلام حول العالم وهي تملك التأثير القوي في مشكلات العالم وصراعاته، كما أن سياسات الدول المستقرة مثل السعودية وتحالفاتها وعلاقاتها لا تتغير بتغير ملوكها بل بتغير مصالحها كدول ومصالح شعوبها أو بتغير المعطيات السياسية على الأرض، أو الفرص المتاحة لنجاح مشاريع حلول كبرى.
التحديات كبيرة من حول السعودية، وإنما خلق الكبار من الرجال لمواجهة الكبار من المشكلات، وستشهد المرحلة المقبلة تحركا فاعلا ونشطا للسعودية ومواقفها وسياساتها والتوازنات التي ستخلقها والمشاهد التي ستعيد تشكيلها، وسيعرف الجميع أن السعودية لا يمكن أن تساوم على مواقفها واستراتيجياتها، وكونها اليوم تقود العالم العربي وتدافع عن مصالح دوله وعن مصالح شعوبه سيزداد رسوخا وسيتجلى للناس شيئا فشيئا.
نحن نعيش اليوم مرحلة تاريخية حاسمة من مراحل تطور الدولة السعودية لا تشبهها إلا مرحلة تولي الملك فيصل لسدة الحكم والاستقرار الطويل غير أن هذه المرة ستكون أكثر استقرارا وأطول أمدا، وسيذكر التاريخ أن الملك سلمان هو راعي الانتقال السلس للسلطة إلى الجيل الثالث من الأسرة وأنه رجل الدولة والقائد الذي أدرك التأسيس الأول وصنع التأسيس الثاني.
ثلاثون أمرا ملكيا غيرت وجه السعودية واعتمدت الكفاءة والجدارة نهجا والاعتدال منهجا والتسامح رؤية، وهي أوامر أدخلت السعادة على كل بيت في السعودية ولن يقتصر أثرها على المواطنين بل سيشمل كذلك المقيمين الذين سيستفيدون بشكل أو بآخر من آثارها الإيجابية.
لقد بلغ حجم الإنفاق الذي تم اعتماده في الأوامر الملكية رقما غير مسبوق هو مليار ومائة وعشرة ملايين ريال سعودي، وهو رقم يوازي ميزانية بعض الدول ويتفوق على أرباح كبرى الشركات، وقد كان له الأثر الطيب في نفوس الشعب السعودي الذي تلقى هذه الأوامر بالمحبة والعرفان والتقدير، إنه حدث لا يحدث في الغالبية العظمى من دول العالم ولكنه يحدث في السعودية.
التعليقات