عبدالله العوضي

الإنسان الحر لا يسيء، بل يمسك عن الآخر الإساءة، فالحرية فضاء رحب للبناء الصحيح، فمن يفعل غير ذلك فهو عبد مهما ادعى الحرية تحت راية الديمقراطية أو غيرها من المصطلحات، التي أصبحت في عصرنا، وللأسف الشديد فضفاضة أكثر من اللازم، لأنه باسمها ترتكب أنكر الجرائم وتمارس أبشع أنواع الظلم وتداس العدالة الحقة.

&


لا نتحدث هنا عن حادثة «إيبدو»، وإن أبادت فعلاً أرقى القيم التي يدعو إليها الإسلام السمح والأخلاق الديمقراطية السامية والبعيدة عن مرض النفوس والقلوب الكارهة والحاقدة لكل نسمة حرية تزرع الخير العميم للبشرية جمعاء.

من قال ومن شرَّع حق الإساءة إلى الأديان أو الذوات باسم حرية القول والتعبير بالمطلق، لأن الذي يملك الإطلاق في الأفعال والأقوال هو رب العباد فقط لا غيره وبدون تعليق. أما البشر فهم مقيدون في ظل كل الأنظمة الحاكمة في العالم بقوانين، وتشريعات وأعراف مضت عليها الأزمنة الغابرة والعابرة للحدود.

يتشدق البعض بمقولات الغرب لترسيخ جذور الإساءة المطلقة لأي شيء في هذا الوجود والكون المبني على الصلاح منذ الأزل، وإلا لم يكن صالحاً لنا لا للحياة ولا للممات، لأن صانعه الأوحد أصلح من شأنه منذ النشأة الأولى، وإذا حدث خلل في ذلك فهو من تدخل البشر وليس إلا.

كان عرب الجاهلية يعبدون الأصنام من دون الله، وإن كانوا يقرون بربوبيته بلا منازع «إن للبيت رباً يحميه» عندما هاجمه أبرهة بجيوشه الجرّارة، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل.

فجاء النهي من رب العالمين بمنع المسلمين عن شتم آلهتهم حتى لا يسبوا الله عدواً بغير علم، فهذه قاعدة ربانية مطلقة لا تحدها ولا تزيلها أقاويل عباد حرية الإساءة. وكلما نزلنا عن هذه المرتبة في الشتم والسب والإساءة بكل أنواعها، فإن الرد والردع واجب حتى لا تختلط الأمور بمفاهيم مغلوطة قولاً وعملاً.

في أوائل التسعينيات حال غزا صدام الكويت وفي حديقة «الهايدبارك» المشهورة في بريطانيا شهدنا منظرين متناقضين في ممارسة الحريات المعوجة، الأول كان العرب هم أبطاله، فقد كان البعض في مظاهرة حاشدة لا تسمع فيها غير كلمات السباب القذرة للأعراض وأكثر من ذلك في زعمهم، وآخر لغير العرب من المحتجين على زيادة الغلاء في ذلك المجتمع فلم تسمع منهم غير المطالبة بإصلاح الأوضاع دون تجريح، ولا شتم، ولا سب، ولا غير ذلك من موبقات الخصال المشينة، والمنظران في حديقة الحرية متقابلان.

فبسؤال أحد «العربان» أجاب إننا نمارس الحرية في أرض الديمقراطية البريطانية، ولم نصدق أن نحصل عليها بعد أن حرمنا منها في بلادنا، والآن جاء الوقت لنمارسها هنا.

لقد مرّت على ذلك المشهد قرابة ربع قرن، فجاء «الربيع العربي» ليطعن العرب من خلفهم، ومن بين أيديهم وعن إيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم، حيث عمت وطمت الإساءة إلى الإسلام من قبل عناصر التطرف ومسالك الإرهاب باسم الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وغيرها من المفاهيم التي تطلق في الهواء وليس لها عند هؤلاء قرار على الأرض إلا بسيل من الإساءات المتتالية، التي أدخلت ديننا الإسلامي في نفق عميق ومظلم، نالها ظلم الأقربين قبل الأبعدين، فإن كنا نعذر الغرب باسم الحرية ولا عذر له أيضاً في الإساءة، فماذا دهى حفنة من الآخرين في ممارسة الحماقة التي أعيت من يداويها، فهل أصبحت الإساءة ديناً لدى البعض يشرع من خلاله جميع أنواع الموبقات باسم الإسلام البريء الذي لا يقر لهم بذاك.
&