علي حماده
&
بانطلاق المعركة لإخراج "داعش" من تكريت، برز مشهد الدور الايراني المباشر بقوة، مع الاعلان عن دور في المعركة لقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني، وهو المسؤول عن العمليات العسكرية في كل من العراق وسوريا.
&
هذا الدور الايراني المباشر على أرض العراق، ودخول آلاف العناصر من "الحرس الثوري" الى أرض المعركة، فضلاً عن الدور المتقدم لقوات ما يسمى "الحشد الشعبي"، وهي عبارة عن ميليشيات شيعية تقاتل أيضاً تحت الامرة العليا لسليماني، أثارا مخاوف كثيرة، وخصوصاً أن العمليات العسكرية تجري في المناطق السنية الصرفة، وكانت ميليشيات الحشد الشعبي قامت بارتكابات كثيرة في مناطق أخرى بحق المواطنين السنة الذين دفعوا الثمن مرتين، مرة على يد "داعش"، ومرة أخرى على يد "الحشد الشعبي"، والحال أن انكشاف الدور الايراني في العراق بهذا الشكل، يعتبر بمثابة اندفاعة جديدة للتمدد الايراني في المنطقة. فبعد انخراط "الحرس الثوري" الايراني المكشوف في المعارك في جنوب سوريا وشمالها ضد الثوار مع ميليشيات "حزب الله"، يبدو أن الايرانيين قرروا الاندفاع قدماً لتحقيق اكبر قدر من التمدد في ارجاء المنطقة. كل ذلك يجري في ظل تواطؤ أميركي، وتشتت عربي وتركي بلغ أقصاه في الأشهر القليلة المنصرمة. ولم يخف التفاوض على البرنامج النووي الايراني بين طهران ودول الخمس زائد واحد، عزم الاندفاع الايرانية، بل انه زادها عما كانت قبلاً. فقد شجّع الاسترخاء الأميركي، وإشكالية واجهة "داعش" بمفارقاتها السورية والعراقية، الايرانيين على اغتنام الفرصة للتحرّك في كل اتجاه ممكن، مستفيدين من "الفراغ" الاستراتيجي الاميركي الجلي. فالاميركيون موجودون وغير موجودين، وكلما تحركوا في اتجاه فتحوا أبواباً جديدة أمام الايرانيين، أكان في العراق، أم في سوريا أم في اليمن.
&
لقد تأخر العرب كثيراً لبناء حلف جدي يمنع وقوع المنطقة بيد الإيرانيين المندفعين، كما لم يندفعوا قبلاً، حتى أنهم ما عادوا يخفون وجودهم، بل احتلالهم، أكان في نواح عراقية، أم سورية ام في لبنان عبر "حزب الله".
&
في اختصار، ان المشرق العربي يوشك على الوقوع تحت احتلال جديد. انه الاحتلال الايراني لأرض العرب بتضافر ثلاثة عوامل: تآمر فئات عربية أصيلة وتشكيلها جسور عبور للاحتلال الايراني، وتواطؤ إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما الذي ما عاد يحتاج الى دليل، والضعف العربي المتجذر والعجز عن إقامة تحالف واضح بين الدول العربية الأساسية وتوسيع الحلف ليشمل تركيا كقوة موازية لكل من إيران وإسرائيل. وفي الأثناء، فإن عرب المشرق يعيشون أسوأ مراحل تاريخهم مع بدء سقوط بلدانهم الواحد تلو الآخر في قبضة الايرانيين.
&
إذا استمر المسار الانحداري الخطير على ما هو، وتوصل الايرانيون الى اتفاق مع المجتمع الدولي حول برنامجهم النووي بما يؤدي الى رفع العقوبات الاقتصادية عنهم، فإن المشروع التوسعي الإيراني لن يهدأ، بل انه سيمتلك "أجنحة" مالية ضخمة، وما لم يسقط بيدهم حتى الآن سيسقط وسط مثلث التآمر، والتواطؤ، والعجز!