&عباس شومان

&

&

&

فى تطور لحالات التخبط الفكرى التى يعانى منها البعض وفى إطار حملة التربص بالأزهر الشريف، خرج علينا من يربط بين أفعال داعش الإجرامية وبين تراثنا الإسلامى تارة وبينها وبين مناهج الأزهر تارة أخري، ويبدو أن البعض يخلط بين التراث الإسلامى وبين مناهج الأزهر التعليمية، فيرى أن كليهما مرادف للآخر.

&


من أراد أن يعلم: فالتراث الإسلامى يعنى الكتب التى خلفها لنا السلف الصالح بما فيها من حديث وتفسير وسيرة وعقيدة وفقه، وغير ذلك من علوم خادمة لكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومستمدة منهما، وهذا التراث ليس ملكا للأزهر ولا لمصر بل هو يخص الأمة الإسلامية كلها، وليس من حق أحد أن يتدخل فيه من غير أن تتفق الأمة الإسلامية عبر المؤسسات المعنية على عمل جماعى يخصه إن كان هذا ضروريا، وإن اتفقت فإن الأمر قد يستغرق عشرات السنين للنظر فى هذا التراث، والله وحده يعلم كيف سيخرج العمل بعد ذلك، وأعتقد أننا لسنا فى حاجة الى هذا العمل أصلا، لأن تراثنا الإسلامى بريء مما يتهم به ظلما وعدوانا، فهذا التراث هو من خرج الأعلام من علماء المسلمين شرقا وغربا الذين أناروا الدنيا بعلمهم ووسطيتهم، ولم يتزعم واحد منهم خلال قرون كثيرة من الزمان تنظيما إرهابيا واحدا، ولم نسمع بهذا فى عصر غير هذا الزمان الذى اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبح من حق الجميع أن ينهال على التراث وكأن هؤلاء العباقرة اكتشوا فجأة أن هذا التراث غفل عن مشاكله السابقون!

&

لاشك أن تراثنا الإسلامى فيه بعض النصوص الضعيفة غير الصالحة للاستدلال بها على الأحكام، بل فيه بعض الأخبار الموضوعة، وهذا لم يغفل عنه السابقون فوضعوا القواعد الضابطة، وصنفوا بعض العلوم الكاشفة كمصطلح الحديث، وكتب الجرح والتعديل، وكتب الصحيح من الحديث والضعيف والموضوع، وفى التراث أيضا من النصوص ما ناسب زمانه أو ارتبط بوقائع خاصة لا تتعدى أحكامها الى غيرها من الوقائع، وقد نص العلماء على ذلك، وأهل العلم يمرون على هذه النصوص فى التفسير أو الحديث أو السير دون أن تحدث لهم مشكلة أو يستخرجوا منها حكما شرعيا مما يدعيه الناس، لأنهم يعرفون قواعد الاحتجاج بالنصوص، ويعرفون العام منها والخاص، والمجمل والمفصل، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، وهذه الألفاظ أظن أن هؤلاء لا يعرفون معانيها ناهيك عن موضوعاتها!

&

الخلاصة أن التراث الإسلامى لا يسأل عنه الأزهر ولا يملكه ولا مشكلة فيه على مافيه من ضعيف أو حتى موضوع دس فيه، متى ترك الغوص وإخراج مافيه من أحكام لأهل العلم المؤهلين بأدواته العاصمة من الشطط، أما إذا غاص فيه كل من تعلم القراءة والكتابة وربما برع فى فنون أخرى غير علوم الشريعة فإنه سيكون كحاطب بليل، يظهر التراث وكأنه خلف كل بلاء ولاحول ولا قوة إلا بالله! ناهيك عن الذين ينظرون فى التراث بنية مسبقة والله سيحاسبهم عليها، حيث يقصون الكلام ويقطعونه، لتخرج العبارات غاية فى القسوة التى لا تناسب العالم الجليل الذى كتبها فى كتابه، اعتمادا على أن كثيرا من الناس لا يقرأون ويكتفون فقط بما يسمعون من هؤلاء، وهؤلاء نفوض أمرهم الى الله.

&

أما مناهج الأزهر الشريف فهى مجموعة المقررات التى تدرس لطلاب الأزهر الشريف فى معاهده وكليات جامعته، وهى فى معظمها مستمدة من التراث الإسلامى لاسيما التى تدرس فى الكليات الشرعية، واتهام هذه المناهج بأنها المرجعية للتنظيمات الإرهابية أمر مضحك، وكأن بعض العبارات التى ينقبون عنها فى بطون كتب التراث أو مناهج الأزهر، هى نصوص مقدسة تلقفتها «داعش» وغيرها قرآنا يتلى لاتحيد عنه قيد أنملة!

&

هناك عدة أسئلة تحتاج الى أجوبة من هؤلاء المغرضين لنسلم لهم بعدها بصحة مايقولون منها: مناهج الأزهر يدرسها طلاب الأزهر منذ عشرة قرون ونصف القرن تقريبا فكم داعشيا خرجت! وهل التقيتم بالدواعش وأخبروكم أنهم يعشقون مناهج الأزهر لكنهم قرروا مخالفة كل علمائه؟!

&

وهل استطاعت مناهج الأزهر أن تفعل مفعول السحر فتجذب اليها المرتزقة ممن لايتحدث بعضهم وربما أكثرهم العربية التى تدرس بها مناهج الأزهر فى الوقت الذى لم تؤثر فى الذين دروسها بتعمق وتجعل منهم دواعش بعد هذا العمر الذى أفنوه فى ربوع الأزهر؟! وإذا كانت مناهج الأزهر هكذا، فلماذا استقر لدى القاصى والدانى من قديم الزمان أن الأزهر حامى حمى الوسطية والاعتدال، أم تراه استطاع أن يخدع العالم كل هذه القرون؟! ولماذا تأخر ظهور داعش الى هذا الزمان مع أن مناهج الأزهر أطول من أعمار مايقارب العشرين جيلا؟! وهناك سؤال غير بريء فى الحقيقة من جملة اسئلة مازالت تدور فى رأسي: لماذا تصرون على تصوير «داعش» وكأنها جماعة «مصرية تخرجت فى الأزهر الشريف»؟! ألم تسمعوا بما كان من الرئيس الفرنسى تجاه شيخ الأزهر فى السعودية، ولماذا لم تتحدثوا عن هذا الموقف الغربى تجاه الأزهر وشيخه الجليل؟! ولماذا تصمون الآذان وتغضون الطرف عن أعمال لجنة إصلاح التعليم التى أنهت تطوير المناهج الأزهرية بالكامل، وهى الآن قيد الطباعة لتكون بين أيدى الطلاب بداية العام المقبل، وأوشكت على الانتهاء من مراجعة مناهج التربية والتعليم؟!

&

أيها السادة اتقوا الله فى الأزهر فلولاه لضاعت العربية، ولصرنا دواعش بالفعل، ولبقينا نرزخ تحت نيران الاحتلال الى يومنا هذا.
&