&خليل علي حيدر

&

نعرف الكثير عن التعليم في الدول المتقدمة وبلدان العالم الأخرى، ونقرأ ونسمع منذ سنين ولا نزال عن مختلف جوانب السياسة وربما الاقتصاد وكذلك مختلف الصراعات في دولة إسرائيل، ولكن هل نعرف الكثير عن التعليم العام النظامي، ومؤسساته في إسرائيل، وعن تفاصيل ادارة هذا التعليم ومناهجه، وعن موقع التعليم الإسرائيلي بين المدارس الغربية والآسيوية وغيرها؟ وما سر هذا التفوق الهائل والتقدم الكبير في مجالات الاختراع والبحث العلمي وكثرة الاختراعات والابتكارات في هذه الدولة؟ تولى الباحث التربوي الفلسطيني «خالد أبو عصبة» كتابة فصل مطول عن واقع ومؤسسات التعليم في إسرائيل، نشر ضمن الكتاب القيم الذي نشرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت 2011 بعنوان «ليل إسرائيل العام 2011».
والباحث «أبو عصبة» شخصية تربوية فلسطينية معروفة، وهو مدير معهد مسار للبحوث والتخطيط والاستشارات الاجتماعية داخل إسرائيل، وهو باحث رئيسي في معهد «فان لير» في القدس، ومحاضر في علم الاجتماع والتربية بكلية بيت بيرل وكلية القاسمي.
أولى ملاحظات الباحث على جهاز التعليم في إسرائيل ضخامة حجمه وتعدديته، ويؤخذ في الاعتبار بداية وجود مسارات عديدة لهذا التعليم منذ ما قبل قيام الدولة عام 1948، أبرزها ثلاثة تيارات رئيسية، تتبع عادة حركات سياسية حزبية:
أ - التيار العام، الذي ضم الطلاب من أبناء الطبقة الوسطى في المدن والقرى الزراعية، ومثّل التيار «اليميني».


ب - التيار العمالي، الذي مثّل فكر الحركة العمالية.


ج - التيار الديني، الذي استوعب أبناء المتدينين في الحركة الصهيونية وكان يعرف باسم «همزراحي».
وضمت وزارة المعارف تياراً رابعاً لم يحظ قبل قيام إسرائيل باعتراف رسمي، وهو تيار «أغودات يسرائيل»، الذي يدرس أبناء اليهود الأصوليين، أو المتشددين الأرثوذوكس، ويسمون «الحريديم»، من كلمة «حريدي» بالعبرية التي تعني «الورع» وهي تُطلق على المتدين المغالي في التطرف.
وتتولى الدولة مهام أساسية في ادارة جهاز التعليم من خلال الوزارات والهيئات، وبخاصة ما يتعلق بتطبيق القوانين وتمويل جهاز التعليم والتوجيه والتفتيش في كل ما يتعلق بالادارة والمناهج، علماً بأن الدولة أخذت تفقد جزءاً مهماً من صلاحياتها، لاسيما في مجال الادارة ووضع المناهج.
وتقوم الدولة كذلك بتمويل الجزء الأكبر من تكاليف بناء المدارس وتعيين المعلمين، اذ ان معلمي التعليم الالزامي العام جميعاً موظفون لدى الحكومة.
ويتبع وزارة المعارف أو وزارة التربية جهاز التعليم الحكومي الذي يضم الأغلبية العظمى من المدارس ومؤسسات التعليم كما يتبع الوزارة جهاز التعليم الحكومي الديني الذي يتمتع ببعض الاستقلالية، ويتبع الوزارة كذلك جهاز التعليم المستقل، كمدارس الاحزاب الدينية الأرثوذكسية التي لا تتدخل الدولة في شؤونها الا نادراً.
وحولت الوزارة جميع مدارس جهاز التعليم العربي داخل إسرائيل الى مدارس حكومية، باستثناء المدارس التابعة للطوائف المسيحية، يعمل جهاز التعليم العربي تحت المسؤولية المباشرة لدائرة المعارف العربية التابعة للوزارة، وهي التي تقوم بتعيين مديري المدارس والمعلمين، ودفع الرواتب وتقرير المناهج والتفتيش، وكان رئيس الدائرة ومعظم الموظفين حتى سنة 1987 من اليهود.
وتقوم وزارة العمل والرفاه الاجتماعي بمتابعة حضانات الأطفال ما بين 4-3 أعوام، وتوفير الخدمات الاجتماعية للمدارس، والتأهيل المهني للكبار، ومدارس التعليم الخاص وذوي الاحتياجات الخاصة والاعاقة والأولاد المتسربين من أطر التعليم الرسمية.
وعندما أنشئت وزارة للثقافة والرياضة سنة 1993، أُسندت اليها الجوانب الثقافية من عمل وزارة المعارف مثل السينما والمسرح والموسيقى، وفي سنة 2009، مع تأليف حكومة «بنيامين نتنياهو»، تم فصل الوزارة الى وزارتين، وزارة العلوم والتكنولوجيا، ووزارة الثقافة والرياضة.


وللوزارة الأولى مهام خطيرة، اذ تشمل مسؤولياتها كل ما يتعلق بتطوير العلوم والتكنولوجيا بما في ذلك سياسات البحث العلمي.


وتقوم وزارة الصحة بالاشراف الطبي على الطلبة، فيما تتولى وزارات اخرى كالدفاع والاسكان جوانب اخرى من مسؤولياتها، ولا تخضع كل مناطق إسرائيل في كل جوانب عملها ونشاطها لوزارة المعارف، ومن مهام السلطات المحلية اقامة حضانات الاطفال وتقديم بعض الخدمات وادارة المدارس الثانوية وتعيين المعلمين والموظفين فيها وغير ذلك.
وتقوم الوكالة اليهودية بدور مهم في جهاز التعليم العبري، كالمشاركة في التمويل وبناء حضانات الأطفال في مدن اليهود الشرقيين خاصة، وتملك عدداً كبيراً من مؤسسات التعليم الداخلية التي تستوعب أعداداً كثيرة من أبناء المهاجرين الجدد، كما قامت الوكالة بتمويل %40 من تكاليف ترميم أضرار الحرب في صيف 2006.
ولنقابة العمال اليهود «الهستدروت» دور مهم جداً في عملية التربية والتعليم.فهي تملك مؤسسات كثيرة ومنها «منظمة نعمات»، وهي منظمة النساء العاملات والمتطوعات، التي تملك نحو 300 حضانة أطفال.وتقوم هذه المنظمة بدور مهم في مجال التدريب المهني للنساء، وتوفر لهن الخدمات الاستشارية والقضائية في أماكن العمل، وتساند العائلات أحادية الوالدين.وتتبع الهستدروت «شبكة عمال»، التي تتولى التعليم المهني في المرحلة الثانوية، الى جانب الاشراف على بعض المدارس الداخلية التي يدرس فيها أبناء المهاجرين الجدد وأبناء العائلات الفقيرة.
وتقوم العملية التعليمية في إسرائيل على ستة قوانين سنها الكنيست، وأولها قانون التعليم الالزامي لسنة 1949، الذي يشمل تعليم كل من هم في المرحلة العمرية ما بين 15-5 مجاناً، وقانون التعليم الحكومي لسنة 1953 الذي يلزم الدولة بادارة التعليم في المؤسسات الرسمية كافة، وبالاشراف على المناهج، شرط ان يخدم هذا المنهاج ترسيخ القيم التي نص القانون عليها، وقد تعرضت قوانين الكنيست هذه لكثير من التعديلات بتأثير التحولات السياسية وتطور التجربة.
ويعتبر جهاز التعليم مركزياً اذ لم يحدد القانون تقسيم العمل بين الحكومة والسلطات المحلية.الا أنه مع مرور الوقت، تعاظم دور السلطات المحلية ادارياً وتربوياً.وثمة لجنة في الكنيست لشؤون التربية والتعليم، وهي أداة برلمانية لمراقبة جهاز التعليم برمته، الا ان قراراتها غير ملزمة.وقد شهدت السياسات التعليمية نقاشات واسعة في مجال بلورة هوية إسرائيلية واضعاف الهويات السابقة.ولم يكن ثمة خلاف كبير بين الاحزاب حول هذا الشأن ما عدا الاحزاب الدينية، ومنذ اواخر السبيعنات تعاظم دور الأهالي في توجيه تعليم ابنائهم، ولاسيما في التجمعات السكنية التي تقطن فيها شرائح قوية وغنية وتعاظمت قوتهم اكثر في الثمانينات بسبب تقلص الميزانيات في تلك الفترة وبالتالي زيادة مساهمتهم في تمويل التعليم حتى انهم رفضوا المنهاج المقرر ومنعوا تقليص ايام التدريس الاسبوعية من ستة الى خمسة ايام، ومما زاد في قوتهم تدخل لجان الآباء في السياسة، وخصوصا في الانتخابات المحلية، لضمان مصالحهم في تعليم ابنائهم.
ويشير الباحث الى حدوث تطور جديد بسبب تدخل أطراف متعددة من علماء وباحثين ويهود الشتات والجماعات الدينية وذوي الاتجاهات الأيديولوجية ورؤساء البلديات.
ومع ارتفاع المستوى المعيشي، قدمت توصيات باحداث اصلاحات تتماشى مع هذه التطورات مثل تشجيع المنافسة والتميز واستقلالية المدرسة، حيث مُنح الأهالي والطلاب حرية اختيار المدرسة، خصوصاً في منطقة تل أبيب.
وتميز عقد الثمانينيات بالتخبط في عدة مجالات، حيث تراجعت بعض البرامج، وفي العقد اللاحق بدأت ثورة في جهاز التعليم، وجرى اصلاح شامل في التعليم التكنولوجي، وكذلك تكثيف الدورات المهنية للمعلمين بما يشمل الالمام بالكمبيوتر، وتطبيق تقرير «شنهار» الذي حث المدارس الابتدائية على تعميق تعليم الدين والفكر اليهودي والثقافة الإسرائيلية وخطاب المواطنة اليهودية.
ماذا عن المرحلة الثانوية في نظام التعليم الإسرائيلي؟ كيف تعد الهيئات التعليمية الطالب الإسرائيلي للحياة العملية والجامعية والمهنية؟ تُدعى الصفوف الثانوية في هذا النظام ب «المرحلة العليا»، وهي تضم الصف العاشر والحادي عشر والثاني عشر في المناطق التي تم فيها اصلاح التعليم، وفي الأماكن التي لم يطبق فيها الاصلاح تضم المدارس الثانوية أربعة صفوف.وبهذا، فان التلاميذ يلتحقون بالمرحلة الثانوية مباشرة بعد انتهاء المرحلة التي تضم ثمانية صفوف، كما تطبق في مناطق أخرى نظم مختلفة في هذا المجال.
والثانويات الإسرائيلية من أربعة أصناف، أكاديمية، ومهنية، وزراعية، والثانويات الشاملة.


والثانويات الأكاديمية تؤهل الطلاب لاجتياز امتحانات «شهادة البغروت»، التي تعتبر شرطاً أساسياً لمتابعة الدراسة في المعاهد العليا والجامعات، وفي هذه الثانويات كذلك مسار آخر لا يؤهل لنيل هذه الشهادة.وعلى الرغم من تطبيق «نظام الوحدات» الذي ألغى تخصص الطلاب بالفرعين العلمي والأدبي، الا ان كثيراً من المدارس، يقول الباحث خالد أبو عصبة: لا تزال تطبق عملياً هذا التفريع العلمي- الأدبي، في التخصص لسهولته ولعدم وجود الموارد الكافية لتطبيق نظام الوحدات، «والحقيقة ان المدارس العربية هي التي استمرت في تطبيق النظام القديم أكثر من غيرها بسبب شح الموارد».
وقد تراجعت أهمية «شهادة البغروت» أخيرا مقارنة بامتحان القبول للجامعات، الا أنها لا تزال أساسية لدخول مؤسسات التعليم العالي، بل ويقاس نجاح جهاز التعليم بمدى تأهيل التلميذ لاجتياز الامتحانات الحكومية.
وقد استُحدث نظام الوحدات في أواسط سبعينيات القرن الماضي، فسهل الحصول على شهادة البغروت، لكنه لم يساهم في تحسين المستوى في عدد كبير من المدارس، لاسيما في المدارس العربية، التي لا تملك الموارد الكافية لتوفير عدد كبير من الموضوعات في المستويات كافة.وقد أدى ذلك الى تزايد عدد الحاصلين على شهادة البغروت، لكن الشهادة لا تؤهلهم للالتحاق بالجامعات».


ومما أثر في مكانة هذه الشهادة ازدياد نسبة الطلاب الذين يمنحون تسهيلات معينة خلال تقدمهم لامتحان البغروت، بحجة أنهم يعانون مشاكل وعوائق في التعليم.ومن هذه التسهيلات الحصول على وقت اضافي يبلغ %35، وامكان الاجابة الشفهية بدلاً من التحريرية، ومنها كذلك خفض عدد أسئلة الامتحان.وكانت نسبة الذين يحصلون على هذه التسهيلات سنة 1998 نحو %8، وصلت في سنة 2008 الى أكثر من %26، وفي بعض المدن %39.
ويدرس %84 من الطلاب العرب في الثانويات الأكاديمية التي يقول الباحث «ان مستوى التدريس فيها متدن»، ويضيف ان أغلبية المدارس العربية «لا تستطيع ان تضمن نجاح أكثر من %25 من الطلاب».(دليل إسرائيل، ص 402).
غير ان بحثاً أجرته دائرة الاحصاء المركزية في إسرائيل، ونشرت بعض تفاصيله صحيفة الشرق الأوسط، 2012/5/2، أظهر تفوقاً واضحاً للطالبات العربيات على نظيراتهن من المدارس اليهودية الدينية والرسمية في مجال العلوم والتكنولوجيا.وكانت النسبة %8.4 من الطالبات العربيات مقابل %5.5 من الطالبات اليهوديات في التعليم الرسمي وأقل من %2 من الطالبات في التعليم الديني، وبشكل عام، كما جاء في الصحيفة، حذر البحث في خلاصته التحليلية، مما وصفه ب «تآكل المستوى العلمي للطلاب في إسرائيل»، متطرقاً الى جملة من الأخطاء التعليمية والثغرات الادارية.

&