علي سالم

اتخاذ استراتيجية محددة، ومحاولة الوصول إليها بتكتيك خاطئ، توصل إلى عكس الهدف. هي مقولة شهيرة يعرفها العسكريون جيدا ولكنها تصدق أيضا على مجال السياسة بل وربما كل مجالات الحياة. إنها قضية الصلة المراوغة بين الهدف والوسائل الخاطئة التي تؤدي إلى تحقيق عكس الهدف. كل الأنظمة أو الجماعات الثورية الدينية التي عرفناها عبر التاريخ تستند في الأساس إلى فكرة تحقيق الخير الأسمى، ولا أكثر سموا بالطبع من دخول الجنة. هذا هو الهدف أو الغاية أو الاستراتيجية. ولتحقيق هذا الهدف ذبحوا أسراهم، واغتصبوا الفتيات وسرقوا ممتلكات البشر وخطفوا الناس لذبحهم أو للتهديد بذبحهم فأحالوا المنطقة كلها إلى بقعة من الأرض اكتسبت مواصفات الجحيم. هذه كانت وسائلهم للوصول إلى الخير الأسمى، غير أن هذه الوسائل أوصلتهم إلى عكس الهدف، حدث تغير في خط السير ومحطة الوصول النهائية، لقد وصلوا إلى محطة الجحيم وهذه نتيجة منطقية لبشر يبحثون ويعملون على تحقيق الشر الأسمى إذا جاز التعبير. لقد استخدموا الوسائل الكفيلة بوقوف العالم كله ضدهم بهدف إبادتهم على مهل.


إلى الأبد ستظل مشكلة الهدف والوسائل الكفيلة بالوصول إليه، تشكل تحديا لعقول البشر. الواقع أنها قضية تتعلق بالنفس وليس بالعقل، الوصول إلى الخير الأسمى يتطلب نفوسا خيرة وليس عقولا قوية. وهو ما يذكرني بمقولة شديدة الأهمية لعالم النفس يونغ تقول «إذا تعارضت حسابات الوعي مع حسابات اللاوعي، فعليك أن تنفذ ما يطرحه عليك اللاوعي». الواقع أن التراث العربي يصوغ نفس المقولة بشكل مختلف «استفت قلبك وإن أفتوك». إن تنفيذ ما يقرره اللاوعي هو ما نسميه حديث القلب، ولكن مع بشر لا قلوب لهم لا بد أن يستمعوا لأصوات عقولهم الخربة التي غذتها نفوسهم الشريرة.


ما أحب إلى قلوبنا جميعا أن نجلس إلى طاولة التفاوض من أجل صلح مع نظام الرئيس الأسد، باعتبار أن الهدف الاستراتيجي لكل الدول المسؤولة في المنطقة هو القضاء على جماعة داعش ومثيلاتها. وبما أن النظام الثوري يقاتل ضد «داعش»، لذلك كان من الطبيعي أن نكون معه في حالة صلح لمواجهة العدو المشترك. الواقع أن الصلح المتخيل الوصول إليه سيصطدم في أول جلسة بمشكلة اللغة، طرف سيتكلم باللغة العربية ثم يفاجأ بأن الطرف الثاني يتكلم باللغة الفارسية. عندها سنكتشف أن الطريق إلى قلب العروبة النابض، وهو الاسم الذي عرفنا به دمشق ونطلب من الله أن تستعيده، يمر بطهران. وطهران مشغولة هذه الأيام بتدريب الحوثيين عسكريا لأهداف لم تعلنها حتى الآن. النظام الثوري في طهران ككل الأنظمة الثورية ليس في حاجة إلى صداقة أحد، هو فقط يطلب الأتباع.


الحرب ضد الإرهاب دفاعية في جوهرها. وأهل المنطقة العربية فقط من كل الأديان والمذاهب والأطياف هم المكلفون والملتزمون بخوضها دفاعا عن أنفسهم. وإذا كان الغرب مشكورا يساعدنا، إلا أن مهمة الدفاع عن أنفسنا تقع على عاتقنا نحن.