حسين شبكشي

تجولت بين أروقة معرض الرياض الدولي للكتاب، وأنا متحمس كما هي مشاعري في الوقت نفسه من كل عام، وعلى نفس الموعد مع الورق والكتاب. والمعرض أصبح بمثابة نافذة مفتوحة على الهواء النقي وأكسجين الفكر والإبداع. الجولة كانت تقليدية، فكانت دور النشر السعودية حاضرة بقوة وتميز. دور مهمة تبدع في الدخول لمواضيع «غارقة» في المحلية، لأن المحلية «بياعة» كما هو معروف لأهل هذه المصلحة.


وهذا العام كان هناك حضور قوي ومهم لدور سعودية مؤثرة، مثل «مدارك» و«طوى» و«جداول» و«كنوز المعرفة»، وخرجت من هذه الدور بعض العناوين المهمة التي اقتنيت منها ما وجدته مهما ومثيرا، وأذكر منها كتاب «مذكرات امرأة سعودية» الذي يتناول تجربة الطبيبة السعودية الدكتورة سامية العمودي مع مرض السرطان، والتي باتت لها شعبية وحضور وجدارة ومصداقية، مما يجعل من تجربتها الشخصية الخاصة مادة دسمة من الممكن أن تتفاعل معها شريحة عريضة من الناس، خصوصا أنها تتطرق لتحديات إيمانية وأسرية وعملية غير بسيطة. والكتاب صادر عن دار «مدارك».


ومن دار «جداول» هناك كتاب مثير ومهم لشخصية جدلية في التاريخ السياسي السعودي. يدخل المؤلف محمد السيف في أغوار الموضوع الشائك ليقدم سيرة ناصر المنقور، والمعنونة بـ«ناصر المنقور.. أشواك السياسة وغربة السفارة». والكتاب نجح في كشف الغطاء عن موضوع شائك ومعقد، ومشى فوق حقول الألغام بمهارة، فقدم مادة ثرية للقراء.


وهناك كتاب مهم وآني في موضوعه بعنوان «مذاكرت قبو» للمؤلف على الشدوي، يتطرق لتجربة خاصة مع أسلوب وطريقة استقطاب الشباب لتنظيم داعش الإرهابي والتكفيري. والكتاب صادر عن دار «طوى». وهناك دار «كنوز المعرفة» التي قدمت كتابا جميلا ومهما للكاتب المبدع عدنان اليافي عن جدة في صدر الإسلام، والكتاب كان بحثا تاريخيا موثقا تحول إلى قراءة مفيدة وممتعة.


والمعرض شهد غيابا واضحا ومؤثرا جدا للناشر السوري، بسبب الحرب الهائلة الحاصلة من قبل نظام بشار الأسد ومن يدعمه على الشعب السوري، فلقد تعود رواد المعرض بالرياض أن يكون للإنتاج السوري الزخم والحضور المميز. وهناك الحضور اللافت والتقليدي والمميز في آن من قبل دور النشر المصرية واللبنانية، والتي جاءت بما جادت به القدرات الإنتاجية من كتب قديمة وحديثة، ومحلية ومترجمة، وإن كان هناك تميز واضح لدور ثقيلة ومهمة مثل دار «الساقي» ودار «الشروق»، وغياب غير مفهوم لدار «النهار»، وبقيت العناوين تدور حول ظاهرة الإرهاب والربيع العربي، وإن كان هناك حضور قوي للكتب الدينية التقليدية، وكتب الطبخ، وكتب الأطفال، والكتب الأكاديمية، وحضور «طاغ» لا يمكن إنكاره للرواية، باعتبارها مادة خصبة يقال فيها ما لا يمكن قوله بصريح العبارة في الكتب غير الروائية، إلا أن معظم الإنتاج الروائي هو من النوع الهش والفارغ والسطحي والضعيف، والذي يصنف في الخانة التجارية الصرفة بامتياز.


المعرض من الناحية التجارية نجح، وإن كان عدد المشاركين أقل في الكم والنوعية. ورغم أن الفعاليات المصاحبة للمعرض تبقى تنال الاهتمام اللازم والمطلوب وتثير الجدل «الساخن» المروج للمعرض كعادته كل عام، فإن هناك من يوافق عليه وعلى فعالياته ويعتبرها فسحات للتأمل والإبداع، وهناك من يعترض لأسباب مختلفة.


جولة في معرض الكتاب تجعل المطالبة بتكراره مطلوبة في أكثر من مدينة حول المملكة لكسر الجمود والخوف والشك والقلق والريبة منه، لأن الاعتياد على رؤية الكتاب حاضرا في جغرافيا متسعة سيزيل أشباح وهواجس «الفوبيا» المصاحبة له، وهذا في حد ذاته إنجاز يستحق العمل لأجله بهمة ونشاط.