& خالد بن حمد المالك

&

&
من المؤسف حقاً أن تتعامل بعض الدول في علاقاتها الثنائية مع الدول الأخرى بتصرفات فجَّة، فلا تفكِّر بحكمة وعقل فيما سيكون عليه وضعها بعد توتير هذه العلاقات، وبالتالي لا تحسب حسابات لحجم الأضرار التي ستلقي بظلالها على مصالحها، وكأن بعض مسؤوليها بحساباتهم المتسرعة يتصرفون تحت تأثير مسببات من عدم الشعور بالمسؤولية التي اؤتمنوا عليها، كما لو أنهم غائبون أو مغيبون عنها.

* * *

لهذا أتساءل ما قيمة دولة صغيرة كمملكة السويد بين دول المجموعة الأوروبية، فضلاً عن مكانتها بين دول العالم، حتى تأتي وزيرة خارجيتها بأخذ هذا الموقف المثير للشك والريبة في نواياه وأهدافه المبيَّتة للمملكة، فتتعرَّض للنظام القضائي بالمملكة والمرأة وحرية التعبير وما يتصل بالحالة الاجتماعية في المملكة، متناسية الأسس والمبادئ التي تعتمد عليها العلاقات الثنائية بين الدول، وأهمها عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.

* * *

أفهم أن تتفاوت مستويات العلاقات بين الدول، وفقاً لتقارب أو تباعد القواسم المشتركة بينها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لكن لا أفهم مطلقاً كيف تسمح دولة بالتعريض بسياسة دولة أخرى تربطهما علاقات دبلوماسية وتعاون مشترك في مجالات عدة تحددها المصالح المشتركة للطرفين، مع التوافق على ألا تؤثر هذه العلاقات على الأنماط الثقافية والاجتماعية والعادات السائدة في كل دولة، إلا إذا كانت وزيرة خارجية السويد تريد تطبيع قيم وأخلاقيات ومعتقدات شعب المملكة ليكون مماثلاً لما هو موجود في السويد.

* * *

إن قوة المملكة العربية السعودية ومكانتها لا تأتي من رضا مملكة السويد ووزيرة خارجيتها على سياساتها، كونها زعيمة العالم الإسلامي، وقبلة المسلمين، وتتشرف بوجود الحرمين الشريفين في أراضيها، وغير ذلك مما لا تتمتع أو تتميز به أي دولة أخرى، فضلاً عن دولة ليس لها ذلك التأثير أو الوزن على مستوى أوروبا أو العالم كمملكة السويد، وبالتالي فإن ما تحدثت به الوزيرة السويدية لا قيمة له ولا يعني المملكة في كثير أو قليل، إلا بالقدر الذي اضطرها لأن تكذِّب فيه ادعاءات ومغالطات الوزيرة المذكورة.

* * *

ولسنا في حاجةٍ إلى إفهام الوزيرة السويدية بالحقائق التي تجاهلتها، ولا الرد على المغالطات التي شابت كلامها، لكننا أردنا في هذه الكلمة فقط أن نقول لها إن تصرفها المسيء لها قبل أن يسيء إلى المملكة، قد استفز مشاعر المسلمين في مختلف دول العالم، الذين يعرفون جيداً أن القضاء في المملكة مستقل ونزيه ولا سلطة لأحد على القضاة إلا كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلَّم -.

* * *

وأردنا ثانياً أن نقول لها، كيف لدبلوماسية مثلها، يغيب عنها أنه ليس من حقها التدخل في الشأن الداخلي للمملكة بتطاولها على سيادة الدولة، بما في ذلك تشكيكها في نزاهة القضاء، وهي تعرف أن المملكة لا تساوم على مبادئها ولا سيادتها ولا تستسلم للضغوط مهما كانت، وأياً كان مصدرها للتخلي عن الثوابت التي تؤمن بها.

* * *

إن هذا التصعيد من مملكة السويد ممثلة بوزيرة خارجيتها بتدخلها السافر في شؤوننا الداخلية، ستكون فيه هي الخاسر الأول والأخير، فالميزان التجاري بين المملكتين يميل لصالح السويد بمليارات الدولارات، كما أن إيقاف السويد تعاونها العسكري مع المملكة - وهو تعاون محدود - إنما هو تصرف يضر بمصداقية السويد في تعاملاتها والتزاماتها وعقودها، كما أنه لن يشجع المملكة مستقبلاً على التعاون في أي مجال اقتصادي أو عسكري أو تجاري، طالما ظلت العلاقات الثنائية تدار بهذه العقلية المتخلفة.

* * *

وتخطئ وزيرة خارجية السويد إذا اعتقدت أنها بهذا الموقف المسيء ستكون قادرة على تشويه صورة المملكة أمام العالم، باستخدام حقوق المرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وما تزعمه من عدم استقلالية القضاء، فيما أن دول العالم تعرف أن الاهتمام بالمرأة يأتي أولوية في المملكة، بدليل اختيار ثلاثين امرأة عضوات في مجلس الشورى، وأن النساء يتبوأن مواقع قيادية في الدولة وفي القطاع الخاص، ويتساوين في فرص التعليم بالداخل والخارج مع الرجال، وما يقال عن المرأة يقال بالأدلة القاطعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية واستقلالية القضاء.

* * *

نريد - أخيراً - أن نذكِّر السيدة وزيرة الخارجية في مملكة السويد بأن الأعراف تقتضي منها أن تكون أكثر دبلوماسية حتى وهي تتدخل - دون وجه حق - في الشؤون الداخلية للمملكة، بدلاً من هذا التصرف الأحمق الذي لا يراعي القيم الدينية التي تلتزم بها المملكة، ولا يعير الاختلاف في الثقافات والعادات بين السويد والمملكة، ولا يلقي بالاً لمصالح الشعب السويدي في العلاقات مع المملكة، التي كانت إيجابية ولم تتأثر سلباً مع أي من وزراء الخارجية السابقين، فيما جاء هذا التصرف من الوزيرة الحالية ليلقي الكثير من الشبهات حول أسباب تشنج وزيرة خارجية السويد وموقفها المعيب وغير المبرر من سياسة المملكة وشأنها الداخلي.
&