فى ذكرى مئوية محاولة إبادتهم
الأرمن .. فنانون وصنايعية على شط إسكندرية

&

&
ميرفت فهد

&

&

&

&

&

تتميز الإسكندرية بطاقة جذب هائلة و فتنة رائعة تشد إليها بحرارة ـ ليس من يزورها أو يعيش فيها فقط ـ بل حتى من يسمع عنها. و هناك آلاف الشخصيات الذين جاءوها زائرين فاستوطنوها واستوطنتهم .

&

لم يسكن الأرمن الإسكندرية خلال العصور الوسطى، حتى إن الرحالة الأرمنى سيمون الناسخ الذى زار الثغر خلال الربع الأول من القرن السابع عشر ذكر أن المدينة تكاد تخلو من بنى جنسه، و لكن الرحالة الإنجليزى براون يذكر أن المدينة شهدت وجودا أرمنيا خلال الربع الأخير من القرن الثامن عشر نتيجة لزيادة أهمية الإسكندرية فى التجارة الدولية عندما ضعف تدريجيا طريق البنغال – البصرة – حلب – الأستانة و حل محله طريق البحر الأحمر. و من ثم بدأ التجار الأوروبيون يستفيدون من الأرمن و اليونانيين و الشوام الموجودين بالثغر كوسطاء تجاريين بين أوروبا و السوق المصرى.


شهد حكم محمد على (1805 – 1848) فترة ذهبية للأرمن فى مصر عموما و الإسكندرية خصوصا. ففى ذلك الوقت، كما يقول الدكتور محمد رفعت الإمام أستاذ التاريخ الحديث و المعاصر بكلية الآداب جامعة دمنهور تكاثروا هناك نظرا لاشتغال بعضهم بالتجارة و استقرار بوغوص بك يوسفيان – الأب الروحى لهم – هناك بعد أن قلده محمد على منصب «ناظر ديوان التجارة» منذ عام 1826. و قد أدت هذه الكثافة إلى بناء كنيسة و مدرسة لهم فى شارع «أبو الدرداء» و تمركزوا فى المناطق المحيطة به. و رغم انخفاض الكثافة العددية الأرمنية بالثغر خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر، فإن عروس البحر المتوسط قد فتحت ذراعيها فى عام 1896 لأكثر من ألفى لاجئ فروا إليها من الاضطهادات و المذابح العثمانية ضد الأرمن على أيدى الاتحاديين (1909 – 1918) وحروب الكماليين (1919 – 1923) بغية تنفيذ مشروعهم الطورانى القومى أى دولة تركية نقية الدماء.

&

وقد احتلت الإسكندرية المرتبة الثانية بعد القاهرة من حيث استيعاب الأرمن عدديا. و قد توزعوا على الأحياء الإدارية السكندرية: كرموز، المنشية، اللبان، العطارين، محرم بك، الجمرك، الرمل، مينا البصل.

&

ويلاحظ أن أغلب أرمن الإسكندرية وفدوا إليها من منطقة أزمير وضواحيها. و يرجع هذا إلى التماثل التام بين أزمير والإسكندرية. فكلتاهما ذات طابع عالمى وتركيبة سكانية متعددة الأعراق وثقل سياسى وحضارى واقتصادى متقارب و بناء اجتماعى متشابه وللبحر تأثير فعال على كلتيهما.

&

&

&

بوغوص بك يوسفيان

&

هو أول وزير لخارجية مصر فى العصر الحديث. و كانت علاقاته وثيقة جدا بينه و بين محمد على حتى أضحى «المرآة الشخصية للباشا والمخلص الوحيد» له بين حاشيته. كما كان والى مصر على دراية تامة بكل ما يجرى حوله داخليا و خارجيا من خلال بوغوص الذى عرف معلومات غزيرة عن الأسواق الأوروبية والأحداث السياسية الدولية حتى قيل إنه «مستشار محمد على و فيلسوفه».

&

فعندما اتسعت تجارة مصر الخارجية بين عامى 1819 – 1826 استلزم ذلك تنظيم مؤسسة خاصة للتجارة بالإسكندرية تقلد إدارتها بوغوص بك يوسفيان – أيضا كبير تراجمة محمد على باشا الخصوصيين – منذ أبريل 1826 تحت مسمى «ناظر ديوان التجارة». و قد نظمت الأمور التجارية و الخارجية فى «ديوان التجارة المصرية و الأمور الإفرنجية». و قد أداره بوغوص تحت مسمى «مدير ديوان التجارة المصرية و الأمور الإفرنجية» حتى وفاته فى 11 يناير 1844. و لكن نظرا لسيطرة الأرمن على إدارة مؤسسة التجارة و الخارجية بالإسكندرية، فقد أطلق الأجانب على هذه المؤسسة اسم «الديوان الأرمنى».

&

وبعد وفاة بوغوص حل محله أرمنى آخر يسمى أرتين بك تشراكيان منذ 13 يناير 1844 حتى 14 سبتمبر 1850. و هو الرجل الثانى فى سلسلة أهل الثقة من الأرمن الذين قاموا بدور همزة الوصل الرئيسية بين مصر و الدول الخارجية المتعاملة معها. ثم تولى أرمنى ثالث هذا المنصب هو إسطفان بك دميرجيان منذ 20 سبتمبر 1850 حتى 20 نوفمبر 1853 حيث فصل الوالى عباس حلمى الأول (1849-1854) ديوان الخارجية بالإسكندرية عن ديوان التجارة و نقله إلى القاهرة.

&

يذكر الدكتور محمد رفعت الإمام أن أرمن الإسكندرية مارسوا فى التاريخ الحديث والمعاصر تقريبا جميع الأنشطة الاقتصادية على المستويات الصناعية و الحرفية و المهنية و الملكيات العقارية.

&

ففى مجال الطباعة، أسس الأرمن أكثر من 13 مطبعة أقدمها مطبعة و زنكوغراف نازاريتيان التى تأسست عام 1899.

&

وفى ميدان الصناعات المعدنية، اشتهر مصنع إخوان فاهان و موشيغ ديرمينجيان الذى تأسس عام 1918 بشارع الأشرف باللبان و مصنع جبرييل دوستوميان للصناعات المعدنية الذى تأسس عام 1922 فى شارع البيضاوى باللبان. و فى عام 1936، أسس أونيج بولجاريان مصنعا صغيرا لإنتاج محابس برونز و طلمبات زهر. و أسس أرام أغاجيان «الشركة الأهلية لتجارة و صناعة البراميل» عام 1953 فى شارع الإسناوى بالورديان. و أسس ديران كالفيان فى عام 1960 «مولى ميتال» لصهر الرصاص. و فيما يتعلق بالصناعات المعدنية المحلاة بالبلاستيك، نجد مصنع بكمزيان المؤسس عام 1947.

&

وقد برزت منشأة «أرتين إسبنجيان و شركاه» فى حقل الهندسة الميكانيكية. وقد تأسست عام 1931 فى شارع محطة مصر. وأسس دير ساهاجيان ورشة للخراطة الميكانيكية فى قسم اللبان. كما أسس أرداشيس فارتان ورشة لصناعة الآلات الميكانيكية عام 1944 بشارع النور فى قسم اللبان. و قد اشتهر مصنع «كنج عثمان» الذى أسسه نوراير بن أوهانيان بصناعة المسامير عام 1948 فى شارع المحافظة.

&

كما اشتغل الأرمن فى صناعة عدد وابور الجاز مثل مصنع «بيرلوس» فى سيدى إسكندر بقسم اللبان الذى أسسه أنطون أجميان و أيضا مصنع «فولكان» الذى أسسه هراتش كالينيان وولده رافى عام 1961 فى شارع بوغوص بك يوسف باللبان.

&

أيضا اشتهر أرمن الإسكندرية بصناعة الأحذية: مصنع أحذية سيسيل بشارع المينا الشرقية و مصنع برج إيفيل للأحذية فى شارع قبو الملاح بالجمرك ومصنع أرتور أوزونيان بشارع طريق الحرية ومصنع أحذية زينيت بشارع المحافظة ومصنع أحذية النمر بسموحة لصاحبها جاربيس بلابيجيان. و هناك دباغة الجلود تمثلت فى مدبغة مارديج زربهانليان وشركاه المؤسسة بالثغر فى عام 1933. و كذلك صناعة شنط السيدات فى مصنع هايج أشجيان المؤسس عام 1945 فى شارع سيدى المتولى بحى العطارين.

&

واشتهر الأرمن بصناعة الدخان و تجارته خاصة مصنع إيبيكيان و ماتوسيان و ميلكونيان وجامسراجان.

&

كما مارس الأرمن الحرف اليدوية الدقيقة التى تحتاج دقة ومهارة مثل الصياغة والتطريز والخياطة الأفرنجى والساعاتية.

&

&

&

الثقافة و الفن

&

اهتم أرمن الإسكندرية بإصدار الدوريات والصحف والجرائد والمجلات المتباينة باللغة الأرمنية بهدف الحفاظ على هويتهم والتواصل مع إرثهم الثقافى. و قد أسسوا 43 دورية منها صحيفة «نيغوص» أى النيل الأسبوعية التى أسسها الأب غيفونت بابازيان عام 1889. وكانت جريدة «أريف» أى الشمس تعد الأشهر و قد أصدرها فاهان تيكييان عام 1915.

&

وقد توالى إصدار الصحف الأرمينية مثل باروس أى الفنار وليرابير أى حامل الأخبار وأزاد بم أى المنبر الحر وأورينك أى القانون وجراج أى النار وسفنكس أى أبو الهول و أزاد خوسك أى الكلمة الحرة.

&

كما أسس الأرمن المنتديات الثقافية والاجتماعية والرياضية والخيرية والفنية مثل نادى «اتحاد ديكران يرجات الثقافى» وجمعية «هراتشتماسير» وجمعية»سيفان» الثقافية و «زارتونك» و «هامازكايين» و«اتحاد جامك الرياضى» و «نادى هومنتمن نوبار» الرياضى و غيرها.

&

وفى مجال الفنون، نشطت الحياة المسرحية والغنائية الأرمنية على مسارح الهمبرا وزيزينيا والليسيه فرانسيه وبيلفيدير ويونيون أرتستك فرانسيز و عباس و غيرها.

&

وقد جهز المصور الأرمنى أوهان جرابيد جوسدانيان استديو «رامى» عام 1948 من آلات تصوير و عرض وتحميض و إضاءة و صوت.

&

كما برع الأرمن فى مجال الفن التشكيلى بنزوح المصور يرفانت دميرجيان (1870-1938) من الأستانة إلى الأسكندرية فى سبتمبر 1896. ومن أجمل إبداعاته صورة الأميرة فاطمة الزهراء حفيدة إبراهيم باشا بن محمد على التى يطلق عليها «موناليزا رقم 2» وقد أبدعها عام 1926 و محفوظة فى متحف «مجوهرات أسرة محمد على» بالإسكندرية.

&

ومن الفنانين الأرمن المصورين: فاهان هوفيفيان وبوزانت جوجامانيان وأشود زوريان وكريكور مجرديتشيان وهامبار هامبارتسوميان وهاجوب هاجوبيان. وفى عالم النحت، هناك سركيس طوسونيان .

&