محمد العسومي
&
لا زالت الاضطرابات في بعض البلدان العربية تلقي بظلال كارثية على الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في سوريا والعراق وليبيا واليمن، مما أدى إلى تدهور مريع في مستويات المعيشة وفقدان الوظائف وهجرة القوى العاملة، بما فيها المهنيون والأكاديميون، مما ساهم في المزيد من فقدان اقتصادات هذه البلدان لأحد أهم مكوناتها الكامنة في المؤهلات البشرية والتي لاقى عدد كبير منها حتفه في الأحداث الجارية منذ أكثر من أربعة أعوام.
&
لقد أضحى من الصعب تصور عودة هذه الاقتصادات للنمو مرة أخرى، فإعادة البناء بعد وقف العمليات الحربية والحروب الأهلية ستكون صعبة ومكلفة للغاية، كما أن المهنيين والعقول المهاجرة ربما لن تعود مرة أخرى، إما لأنها حصلت على فرص عمل في الدول التي استضافتها، أو أن ما تعرضت له يُشكل كابوسا ًنفسيا ًمن الصعب التخلص منه. ويعد ذلك خسارة لا تعوض تتحمل جزءاً من مسؤوليتها بعض القوى الإقليمية والدولية التي ساهمت في تفاقم الأوضاع، كإيران الباحثة عن مجد إمبراطوريتها الضائع، والتي أنفقت مئات المليارات لإعداد وتمويل وكلائها من المليشيات المسلحة والإرهابية في البلدان العربية، كـ«حزب الله» في لبنان وجماعة «الحوثي» في اليمن ومليشيات «الحشد الشعبي» في العراق، والذين لا يختلفون عن المنظمتين الارهابيتين الأخريين «القاعدة» و«داعش»، حيث لا يعد ذلك الدعم الإيراني سياسة حكيمة بقدر ما يعتبر بعثرة لثروة الشعب الإيراني الذي يعاني بدوره من تدهور مستويات المعيشة والبطالة التي تتجاوز 35%.
&
وإذا افترضنا أن بقية دول المنطقة انتهجت نفس النهج وقامت بتأسيس مليشيات مسلحة ومولتها،- وهي قادرة على ذلك- لتحولت منطقة الشرق الأوسط إلى غابة وحوش غير قابلة للعيش والحياة في أمن واستقرار، ولفقدت دولها ثروات وطنية يمكن توظيفها لتعزيز النمو وخلق فرص العمل وتحسين مستويات المعيشة.
وفي مؤشر ذي دلالة على مدى التأثيرات الكارثية للاضطرابات العربية قال المدير العام لمنظمة العمل العربية: إن عدد العاطلين عن العمل في البلدان العربية تضاعف من 2 مليون في عام 2011 إلى 20 مليون العام الماضي 2014، وهو ما يشكل ما نسبته 30% في أوساط الشباب، في حين بلغ معدل البطالة في البلدان العربية 17%، وهو ما يزيد ثلاث مرات عن مستواه العالمي، تلك المشكلة المرشحة للتفاقم بسبب الفرق الشاسع بين معدلات النمو المنخفضة البالغة 2- 3% في حين يتطلب احتواء البطالة تحقيق معدلات نمو تبلغ 6% على أقل تقدير.
&
وللوصول إلى هذا المستوى من النمو، لا بد للعقلاء في البلدان الممولة للمليشيات وعلى رأسها إيران إدراك أنه لا آفاق مستقبلية للطموحات الشوفينية وأن الطريق الصحيح يكمن في الاستقرار والتعاون الاقتصادي، فالصراع الحالي هو ليس بين السُنة والشيعة والذين عاشوا مئات السنين في سلام ووئام، وإنما هو بين طموحات إيرانية تسعى إلى الهيمنة وبين البلدان العربية بكل مكوناتها وطوائفها تدافعون عن أوطانهم أمام هجمة شرسة يقودها الملالي ونظام ولاية الفقيه الديكتاتوري الذي يعيش في أوهام لا علاقة لها بعصرنا الحاضر.
&
وفي نهاية الأمر، ستنتهي العمليات العسكرية والحروب الاهلية وتصبح في ذمة التاريخ، إلا أن عواقبها وما خلفته من دمار اقتصادي وفتنة طائفية غذتها عائدات النفط الإيرانية سوف لن تطوى لسنوات طويلة، وإذا كانت بعض البلدان الغنية بالنفط، كالعراق وليبيا ستتمكن من توظيف ثرواتها لإعادة البناء، فإن بلدان أخرى، كسوريا واليمن ستكون بحاجة ماسة لمشاريع «مارشال» تنموية تشارك فيها بلدان المنطقة إلى جانب الأسرة الدولية، بما فيها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الحاضر مثل هذا البرنامج لإعادة إعمار اليمن بمبلغ 13 مليارات دولار للقطاعين العام والخاص، مما قد يساهم في تحقيق معدلات نمو جيدة والحد من البطالة وإدماج هذه البلدان من جديد في النظام الاقتصادي الدولي.