عثمان ميرغني
&
لو كان المعيار لتقييم القمم العربية هو بياناتها الختامية، لكانت كلها نموذجا للنجاح الكامل الذي يطرب الشعوب والأصدقاء، ويرعب الأعداء. لكن التجارب الطويلة، والمريرة في معظم الأحيان، علمت المواطن العربي أن يتعامل بحذر مع بيانات قمم جامعته، لأنها في الغالب كانت تبقى حبرا على ورق. فالخلافات العربية المزمنة أفرغت اجتماعات الجامعة من أي مضمون حقيقي، وجعلتها ساحة للمواجهات أو المجاملات، بينما أحالت بياناتها الختامية إلى جمل إنشائية أكثرها بات محفوظا لكثرة تكراره، وعدم فاعليته في معالجة القضايا القديمة أو المستجدة. طبيعي أنه كانت هناك استثناءات لكنها كانت قليلة ومتفرقة، لذلك لم تنجح في تغيير الصورة النمطية للقمم في أذهان المواطن الذي كان يشعر بالخيبة تلو الأخرى وهو يرى العجز العربي يتفاقم، بينما أوضاع المنطقة تسير من سيئ إلى أسوأ.
&
هل تكون قمة شرم الشيخ الأخيرة استثناء من الاستثناءات القليلة، أم استمرارا لمسلسل القرارات التي لا ترى النور، أم أنها ستحقق المفاجأة وتكون نقطة تحول في مسار العمل العربي المشترك وبداية صحوة يتوق إليها الناس؟
&
القمة انعقدت بلا شك في ظل أوضاع بالغة الخطورة، وتحديات غير مسبوقة مع التدمير الممنهج لدول، وتهديد أخرى، وتنامي قوى الشر والإرهاب، وفتح الباب أمام التدخلات الخارجية. لكنها انعقدت أيضا في ظل حالة من التشرذم، والنفخ في الطائفية، والاستقطاب الحاد. هذه الصورة كانت محور كل الكلمات التي ألقيت أمام القمة، مع اختلاف في الأولويات والمنطلقات أحيانا. لذلك لم يكن مستغربا أن يترقب الناس نتائجها بمزيج من الأمل والحذر من الإفراط في التفاؤل.
&
في تقديري أن الحكم على هذه القمة، سيكون مرهونا إلى حد كبير، بما سينتهي إليه موضوع القوة العربية المشتركة الذي طغى مع أزمة اليمن على أجوائها. كان واردا أن يتداخل الموضوعان لولا أن تسارع الأوضاع في اليمن مع وصول الحوثيين إلى أبواب عدن، جعل السعودية تعجل بالتدخل وتشكيل «تحالف العشرة» لمنع سقوط اليمن واكتمال حلقة التطويق والتهديد لأمن المملكة ودول التعاون الخليجي. رغم ذلك يبقى هناك خيط رابط بين الموضوعين لأن الدول التي تشارك في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، مرشحة لأن تكون، باستثناء باكستان طبعا، نواة أساسية في القوة العربية المشتركة التي دعا إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لو قدر لها أن ترى النور ولم تمنع الخلافات أو الحساسيات العربية تشكيلها.
&
صحيح أن قرار تشكيل القوة العربية المشتركة الصادر عن القمة لم يتحفظ عليه سوى العراق، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك متحفظون آخرون لم يفصحوا عن مواقفهم الآن على أساس أنهم غير مضطرين لذلك ما دام أن المشاركة في القوة ستكون اختيارية. فالواضح حتى الآن أن هناك دولا متحمسة لفكرة تشكيل القوة إدراكا لأهميتها للأمن العربي، وإحساسا بحجم المخاطر التي تهدد المنطقة وكثيرا من دولها، ورغبة في أن يكون العرب قادرين على التصدي للمهددات بدلا من الاستنجاد بأميركا والغرب في كل مرة وانتظار التدخل الخارجي.
&
في المقابل هناك دول لن تتحمس للموضوع مثل الجزائر التي ظلت تعارض دائما مبدأ التدخل الخارجي، وعارضت في هذا الإطار التدخل في ليبيا، رغم أن تنامي حركات التطرف والإرهاب في هذا البلد، يضعها في دائرة الخطر خصوصا بعد تجربتها المريرة خلال تسعينات القرن الماضي. وهناك دول أخرى يمكن أن تفضل البقاء في مقاعد المتفرجين لوجود تباينات داخلية، أو ارتباطات خارجية تمنعها من الانضمام لهذه القوة، مثل لبنان أو العراق الذي جاهر بتحفظه رغم المفارقة الكبيرة في أن الكثير من قياداته ومكوناته استدعت التدخلات الخارجية في فترات مختلفة ووصلت إلى الحكم من بوابة الغزو الأميركي. أيضا هناك دول قد تتخوف، بسبب أوضاعها الداخلية أو علاقاتها الإقليمية، من أن تصبح هذه القوة أداة ضدها.
&
سيكون من السذاجة افتراض أنه لن تكون هناك محاولات من أطراف عربية أو إقليمية أو حتى دولية لإفشال مشروع القوة العربية المشتركة. وسيكون من الإفراط في التفاؤل تصور أن الحساسيات والخلافات لن تبرز في مناقشات تشكيل القوة، أو أنها لن تواجه الكثير من العقبات لدى البحث في آليات عملها. المهم ألا تفتر همة الدول الراغبة فتتقاعس عن المضي في خطوة يمكن لها، لو رأت النور وترجمت إلى أرض الواقع، أن تعطي أملا، ولو بسيطا، للمواطن العربي في إمكانية صحوة طال انتظارها للخروج من حالة العجز، ولسد الباب أمام التدخلات الخارجية، والاعتماد على النفس بدلا من الركض إلى أميركا والغرب وطلب تدخلهما كلما أطلت أزمة. فالتحديات ماثلة أمام الجميع، والحرائق الممتدة لن يسلم منها أحد، والمثل الحكيم يقول: «ما حك جلدك مثل ظفرك».
التعليقات