عمار علي حسن

يلح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في استعجال «التدخل البري» في بلاده، ولكن التحالف العشري الذي يخوض حرباً ضد الحوثيين وحليفهم المخلوع علي عبدالله صالح ليس في عجلة من أمره، ولا أعتقد أنه سينساق سريعاً نظراً لمعطيات على الأرض لا يمكن تجاهلها ولا إنكارها، تتعلق بالثمن الذي قد يترتب على التسرع في التدخل البري في اليمن، وإلى احتمالات تقلب الحرب كعادتها، وقد يتمدد النزيف فيسحب أماكن أخرى أبعد بكثير من صنعاء وعدن وما حولهما، بفعل قانون الحرب الذي يقول صراحة: إنك قد تعرف البداية ولكنك لا تعرف النهاية.

&


فأمر التدخل البري، إن لزم الأمر كما يقال، ليس قطعاً بسهولة شن ضربات جوية ضد مليشيات وبقايا جيش دفاعاته الجوية عتيقة ومتهالكة ولم تجهز أصلًا لمواجهة هذه الأنواع المتقدمة من الطائرات المقاتلة. أما على الأرض فتقل الفجوة التقنية بين المتحاربين إلى حد كبير، وقد تظهر الميزة النسبية لصاحب الأرض، الذي يدري بشعابها وفجاجها وسهولها ووهادها، ولاسيما في بيئة جغرافية وعرة، ومع شعب مسلح، إذ يملك المدنيون اليمنيون ستين مليون قطعة سلاح، بدءاً من الجنبيّة وهي خنجر حاد إلى الكلاشينكوف، بمعدل ثلاث قطع لكل فرد.

وربما لهذه الأسباب قطعت السعودية على لسان العميد أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف بأنها لن ترسل قوات برية إلى اليمن، حيث قال: «لن نتدخل براً إلا إذا أصبحت مثل هذه العمليات ضرورية، ويمكن أن تكون هناك عملية برية محدودة في مناطق محددة وفي أوقات محددة.. ولا يجب توقع أن يحدث تحول بصورة آلية إلى عملية برية، ولا التركيز على العملية البرية باعتبارها ضرورة طالما أمكن تحقيق الأهداف عبر وسائل أخرى».

ولكن السؤال الذي يتعين طرحه هنا هو: هل يمكن تفادي الحرب البرية؟ وإذا كانت شراً لابد منه فمن أين تبدأ؟ وكيف تدار؟ وما هي الأطراف التي لديها استعداد جازم وحاسم لخوضها من البداية وحتى النهاية؟

أعتقد أن هذه الأسئلة تدور في أذهان القائمين على قوات التحالف، وأتصور أنهم حريصون على تأخير التدخل البري بقدر المستطاع، وإن أمكن تفاديه، فهذا أفضل، والتفادي إما أن يكون بقدرة سلاح الجو على ترجيح كفة أنصار هادي على الدفاع عن عدن وتخليص الجنوب من أتباع الحوثيين وصالح، ثم زحفهم نحو الشمال بعد انضمام قبائل وألوية من الجيش إليهم، أو بنجاح العمليات الاستخباراتية في شق الصف بين الحوثيين وصالح، أو بإضعاف هذين الحليفين إلى درجة أنهما يسارعان إلى مائدة التفاوض والحوار، ولاسيما أن العاهل السعودي الملك سلمان قال قبل أيام إن أبواب المملكة مفتوحة لكل الأطراف اليمنية.

وفي النهاية، لن تستمر الحرب إلى الأبد، وإنما هي مقدمة لعملية سياسية منتظرة، وحتى أثناء جريان الحرب فهي ممارسة للسياسة بوسائل أخرى، ما يعني أن السياسة آتية لا ريب فيها، وكلما كان هذا مبكراً كان أفضل، حفاظاً على أرواح الناس، وخوفاً من انزلاق الوضع إلى حرب أهلية لا أفق لها، وحرصاً على عدم تدمير ما تبقى من الجيش اليمني، لأن عواقب هذا وخيمة وستسقط البلاد أكثر في أيدي المليشيات من الحوثيين و«القاعدة» على حد سواء، ومنعاً لتحويل اليمن، كما هي سوريا وليبيا، إلى بلد عربي آخر مصدر للمشردين واللاجئين، إلى جانب إنقاذ البنية التحتية والأبنية الحكومية التي باتت محل استهداف جراء قيام الحوثيين باستعمالها مخزائن للأسلحة أو أماكن للتجمع داخل المدن.

أما إن استمرت الحرب، ولم يأتِ الحوثي إلى التفاوض، ولم تحسم الضربات الجوية الوضع على الأرض، بل تمكن الحوثيون وقوات صالح من التغلغل أكثر داخل مدن الجنوب، فقد تظهر خيارات أخرى منها تسليح الجنوبيين أو قبائل في الجنوب والشمال ضد صالح والحوثي معاً، أو يتم التدخل البري ولكن ليس في شمال اليمن إنما في الجنوب ودفاعاً عن عدن، في عمليات جراحية محدودة، كما تقول الرياض.

ولكن السؤال الذي يثار هنا: ما الذي يضمن عدم تدحرج العمليات المحدودة تلك إلى واسعة؟ وعندها: كم ستكون التكلفة؟ ومن على استعداد ليدفعها إلى النهاية؟ فالحرب، أي حرب، ليست نزهة بأي حال من الأحوال.
&