موسى شتيوي
&
لم يتأخر الرئيس باراك أوباما باتجاه التعامل مع تخوفات دول الخليج العربية من الاتفاق النووي بين دول "5+1" وإيران، الذي تم إنجاز إطاره الأسبوع الماضي. فقد اتصل بالملك سلمان بن عبدالعزيز لطمأنته، وها هو يدعو قادة دول الخليج إلى اللقاء به في كامب ديفيد في أقرب فرصة. وهذه مبادرة مهمة، جاءت في الوقت المناسب. ولا يخفى على الإدارة الأميركية القلق الذي يساور هذه الدول، خصوصاً السعودية، من هذا الاتفاق. وتتلخص المخاوف الخليجية والدول السُنّية الأخرى في الأبعاد التالية:
&
أولاً، هناك شعور بأن اتفاق الإطار الذي تم لن يكون قادراً على كبح جماح إيران للحصول على القنبلة الذرية، وإنما سيعمل، في أحسن الأحوال، على تأجيله، ما يعني أن إيران ستصبح يوماً ما دولة نووية، وأن الخطر على دول الخليج سيبقى موجوداً.
&
ثانياً، هناك شعور بأنه بعد رفع العقوبات المفروضة على إيران، فإن قدرتها الاقتصادية ستزداد، ما يسمح لها بالتوسع بدورها الإقليمي، وتصبح أكثر عدوانية بعلاقتها مع جيرانها من الدول السُنّية، الأمر الذي يؤدي الى زيادة التوتر والصراع في المنطقة، وزيادة قدرة إيران على الهيمنة الإقليمية.
&
ثالثاً، ثمة قناعة لدى البعض بأن هناك اتفاقاً سياسياً أميركياً، أو إقراراً أميركياً بهيمنة إيران على المنطقة. وبالضرورة، يكون ذلك على حساب مصالح دول المنطقة. ويترجم ذلك البعض بأن الولايات المتحدة قد بدلت حلفاءها التقليديين في المنطقة وتحولت نحو حلفاء جدد.
&
من السذاجة بمكان إهمال هذه التخوفات. لكن من الحكمة أن لا تتم المبالغة بها. وفي السياسة، هناك خيارات وفرص وتحديات. والدرس الذي يمكن الاستفادة منه من الاتفاق النووي الإيراني هو البراغماتية الأميركية والأوروبية عموماً، والإيرانية أيضاً. فعلاقات الولايات المتحدة بإيران كانت تتسم بالعداء، وكل دولة وصفت الأخرى بأنها مصدر كل الشرور. لكن عندما التقت المصالح فتحت الأبواب، وجرت تفاهمات حول القضايا المشتركة، وبالتأكيد هناك خلافات تم وضعها جانباً.
&
والاتفاق النووي مع إيران ينطوي على إيجابيات لا يمكن إنكارها. من أهمها وقف البرنامج النووي العسكري الإيراني، ما سيخفف من حالة التوتر التي سببها البرنامج، ويفسح المجال لخلق أجواء جديدة أقل تشنجاً في المنطقة، ومن ثم إمكانية التوصل إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية، والتي لا أعتقد أنها مستحيلة. لكن ذلك لا يتم إلا إذا كان هناك تحول استراتيجي في النظرة إلى المنطقة وكيفية التعامل مع الملفات المختلفة. إن اللقاء المنتظر بين الرئيس أوباما وقادة دول الخليج قد يشكل مدخلاً لذلك. فبالتأكيد، لم يدعُ أوباما قادة دول الخليج فقط لطمأنتهم على العلاقات الأميركية-الخليجية، والتأكيد على التحالف الاستراتيجي بينهما، لأنه كان يمكن أن يفعل ذلك من خلال جولة لأحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض لتلك الدول. فلا بد أن أوباما سيناقش مع قادة الخليج الملفات السياسية العالقة في المنطقة، ومنها الأزمتان السورية والعراقية والحرب على "داعش" والقضية الفلسطينية.&
&
فالمنطقة بحاجة لرؤية شاملة لمشكلاتها، ولا بد من الاتفاق على إنهاء هذه المشكلات والتوصل إلى تسوية تاريخية بشأنها. وهذا الاجتماع المنتظر قد يؤسس لهذه الرؤية. وإذا كان هدف اللقاء أكثر من تطمينات، فلماذا لا تدعى دول أخرى مهمة، كالأردن ومصر، لهذا اللقاء؛ لأهمية دور كل منهما في كل قضايا المنطقة؟!
&
الاتفاق النووي مع إيران يوفر فرصا وتحديات للدول العربية ودول الإقليم. والفرصة الكبرى التي يتيحها هذا الاتفاق هو أن هناك أجواء جديدة في المنطقة. وتستطيع الولايات المتحدة الآن أن تؤدي دوراً أكبر وأكثر إيجابية في التوصل لحلول قضايا المنطقة؛ فمن الصعب تخيل التوصل إلى حل للأزمة في العراق وسورية، من دون أن تكون ايران وروسيا جالستين على الطاولة، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية وغيرها من الدول، فحضورها ضروري للغاية نفسها.
&
لقاء كامب ديفيد المنتظر فرصة جديدة يجب أن يكون هدفها التوصل لتسوية لجميع القضايا العالقة في المنطقة.