&محمد كريشان
& «مسرحية بسيناريو مفضوح وإخراج سيىء، على مسرح متهالك، وممثلين لا يجيدون لعب الأدوار. وحدهم المنتفعون يصفقون»… هكذا لخّـص أحد السودانيين على موقع للتواصل الإجتماعي المشهد في بلاده مع هذه الانتخابات العامة البرلمانية والرئاسية الأخيرة… وقد صدق.
سيناريو مفضوح : انتخابات يعرف الجميع نتيجتها مسبقا قبل أن تبدأ، انتخابات صورية للحفاظ على وضع بائس قائم منذ خمسة وعشرين عاما. الانتخابات أسلوب إهتدى إليه الناس في العصر الحديث لمحاسبة الحكام على تقصيرهم والإتيان بغيرهم بديلا لتجديد العطاء البشري وتنشيط شرايين مؤسسات الدولة..إلا عندنا. السودان هنا حالة نموذجية تـُــدرّس فعلا لأنها لا تعني سوى أن الشعب الذي يختار التجديد الدائم لمسببي مأساته المتواصلة إما أنه غائب عن الوعي أو أنه يتلذذ بتعذيب نفسه، ومن الصعب قبول أي منهما عقلا وواقعا.
إخراج ســـيىء: محاولة إظهار أن هذا الموعد يجري على ما يرام بحيث أن أكثر من 13 مليون ناخب تقدموا بكل همة وحماسة إلى هذه الانتخابات «التاريخية» كما وصفها مساعد الرئيس السوداني إبراهيم غندور بحيث كانت مشاركته «كبيرة» وفق تعبير الحاج آدم أحد قيادات الحزب الحاكم. ليس هذا فقط بل إن هذا الإقتراع جرى بوجود «مراقبين» من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي الذين لم يعرف عنهم سوى تزكية كل انتخابات مهما كانت خروقوتها أو حتى رداءتها.
مسرح متهــــــالك: بلد خسر ثلث أراضيه بانفصال جنوبه عام 2011 ومهدد فيما بقي بسبب حروب تمرد قتل فيها زهاء الـــ 300 ألف شخص وفق تقديرات الأمم المتحدة. بلد فقد سكانه الــــ 38 مليون قرابة ثلاثة أرباع عائداتهم النفطية التي لم يستفيدوا منها أصلا لا في تطوير صناعة ولا زراعة ولا بنية تحتية ولا مدارس ولا مستشفيات ولا خدمات ولا غيرها فكيف إذا حرموا منها الآن؟!
ممثلون لا يجيدون لعب الأدوار: أولهم رئيس يحكم منذ 25 عاما وما زال يقول هل من مزيد، رجل مطلوب للعدالة الدولية وصدرت بحقه عام 2009 مذكرة توقيف دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور وأخرى عام 2010 بتهمة ارتكاب إبادة فقرر التخلص من جنوب البلاد علّ ذلك يكون له شفيعا فلما فشل قرر أن يأخذ شعبه بالكامل درعا بشريا يحميه من قدر قد يتمكن من تأجيله لكنه لن يفلت منه. مع ذلك فالبشير ليس وحده، فها هم 44 حزبا يتنافسون في انتخابات يعلمون جيدا أنهم لن ينالوا منها سوى بعض الفتات إما لأنهم أضعف من أن ينالوا شيئا أو لأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم ليس مستعدا لأن يترك لهم شيئا والأرجح لكليهما. اما أولئك الـــ 15 مرشحا للرئاسية فغالبتهم الساحقة مجهولون من الشعب، كما تنقل أغلب التقارير، مما يجعلهم أقرب لمن رضي لنفسه أن يكون مجرد «كومبارس» يزين المشهد لكن لا يغير منه شيئا.
وحدهم المنتفعون يصفقون: هؤلاء على الأرجح من دائرة الرئيس وحزبه في بلد هو من الأوائل عالميا في مؤشرات الفساد مع أن لا شيء فيه المسكين جاهز للنهب مما يجعل هذا النهب من «اللحم الحي».أما البقية فهم من «الهتيفة» المغلوب على أمرهم، يصفق رجالهم وتزغرد نساؤهم كلما اجتمع بهم البشير فيرقص أمامهم ويرفع في وجوههم عصاه.
ويبدو أن ما تمر به المنطقة العربية عموما من اضطرابات دموية سعى البعض في السودان إلى «الاستفادة» منه لجهة الترويج للقبول بــ»القسمة والنصيب» على أساس أن الرمد أفضل من العمى وهو ما انعكس في تصريحات بعض المواطنين السودانيين التي أوردتها بعض وكالات الأنباء من قبيل تلك السيدة التي قالت لــ «رويترز» إن «الانتخابات أحسن من الحاصل في المنطقة..شوف القتل والموت». وتبقى في النهاية ملاحظتان على عجل:
- المعارضة التي قاطعت هذه الانتخابات لأنها «تقام حالياً في ظروف سياسية سيئة جدا خاصة والحرب مشتعلة وهناك أزمة حريات ومؤسسات» ولأنها «ستكرس وضعا سيئا جدا وسوف تكرر سيناريو الاستبداد والدكتاتورية ذاته الموجود في البلاد»، كما قال كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض، هذه المعارضة هي جزء من معضلة البلد لأنها لم تعثر بعد على أفق واضح للتجاوز قادرة على قيادته وتحمل تبعاته.
- الجهات الدولية على غرار الإتحاد الأوروبي الذي رأى أن هذه الانتخابات «لا يمكن أن تسفر عن نتائج ذات مصداقية ولها صفة الشرعية» لم تعد لها، بعد كل تقلبات مواقفها وانتهازيتها في التعامل مع الثورات العربية المختلفة، أية مكانة أخلاقية أو سياسية تسمح لها بالتقييم المنصف المراعي لتطلعات الناس وطموحاتهم. هذا يعني أن المشهد السوداني سيمر، وسيمر غيره… حتى إشعار آخر.
&
&
التعليقات