سطام المقرن

الاستراتيجية الأمنية لمواجهة الإرهاب ترتكز على مبدأ الحسم الأمني والإجهاض المبكر لتحركات الإرهابيين، عبر أجهزة أمنية متطورة تعتمد على قواعد بيانات ومعلومات قوية وتطوير الموارد البشرية العسكرية

&


قامت المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الداخلية بدور مؤثر وفعّال في التصدي لظاهرة الإرهاب على الصعيدين المحلي والدولي، حتى أصبح من المتوقع أن يلقى الإرهاب هزيمة شديدة على امتداد الساحة الدولية، فقد عانت المملكة منذ زمن طويل من هجمات إرهابية تعددت في أشكالها وصورها، ومن ذلك على سبيل المثال: الاعتداء على الحرم المكي الشريف عام 1979م.


وفي إشارتي إلى التجربة السعودية في مكافحة الإرهاب، فإن تقييم هذه التجربة يستلزم أولاً التطرق إلى أساليب المواجهة التي استخدمت، التي أوجزها في ثلاثة أساليب للمواجهة: المواجهة الوقائية ثم المواجهة القانونية وأخيرا المواجهة الأمنية.


في المواجهة الوقائية: تم إنشاء لجنة تسمى (لجنة المناصحة) تخضع لإشراف وزارة الداخلية وذلك بهدف محاربة الفكر بالفكر، وكشف الشبهات التي لدى الفئات الضالة وتفنيدها، وتصحيح المفاهيم التي يؤمن بها هؤلاء، وذلك بالاستعانة برموز المجتمع من العلماء للتعامل مع المتورطين في القضايا الإرهابية، وإعادة دمجهم في المجتمع كي يصبحوا مواطنين صالحين مرة أخرى، ويتم ذلك، بشكل أساسي، من خلال تنفيذ برامج لإعادة تأهيل السجناء يطلق عليه (برنامج الرعاية) يطبق على الذين أوشكت فترة محكوميتهم على الانتهاء، يتم من خلاله تكثيف التوجيه الهادف للموقوف والتأكد من سلامة منهجه الفكري واستقرار نفسيته واستعداده للاندماج في المجتمع.
هذا بالإضافة إلى تثقيف المجتمع أمنيا وفكريا تجاه ظاهرة الإرهاب وخطورتها، لذلك عمدت المملكة إلى تقديم برامج توعية عبر وسائل الإعلام المختلفة من خلال سياسة إعلامية مبنية على الشفافية، وإنشاء إدارة عامة تعنى بالأمن الفكري تهدف إلى معالجة ومكافحة الانحرافات الفكرية التي تقود إلى الغلو والتطرف والإرهاب.


أما في المجال القانوني أو التشريعي: فقد قامت المملكة بتطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بمكافحة الإرهاب والجرائم الإرهابية، كما تم وضع قيود مشددة على صناعة أو استيراد أو بيع أو حيازة أو تداول أو اقتناء الأسلحة أو الذخائر أو المعدات أو قطع الغيار وفقا لنظام الأسلحة والذخائر في المملكة العربية السعودية الصادر عام 1981م وتم تحديث النظام في 2005م، وقد بين النظام ضوابط حمل الأسلحة الفردية وحدد الإجراءات والشروط اللازمة لذلك كما بين العقوبات الرادعة لمن يخالف ذلك.


كما تم إصدار نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية والتعاملات الإلكترونية لتحقيق الأمن المعلوماتي وحماية المصلحة العامة والأخلاق والآداب العامة، وتطبيق نظام الإفصاح على المسافر الذي يحمل مبالغ نقدية أو أوراق مالية قابلة للتحويل أو معادن ثمينة تزيد عن (60,000) ريال أو ما يعادل (16.000) دولار أميركي.


هذا بالإضافة إلى فرض قيود مشددة على المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب المواد المتفجرة، وعدم السماح باستيرادها إلا بعد دراسة الطلب من قبل المختصين الكيميائيين والأمنيين لمعرفة مدى الحاجة لها، وتطبيق نظام المتفجرات والمفرقعات على المخالفين له.


وقد تم أيضاً القيام باتخاذ عدة إجراءات وتدابير بهدف تنظيم عمل الجمعيات الخيرية العاملة في الداخل والبالغ عددها (498) جمعية خاضعة لإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية، حيث تخضع تلك الجمعيات للائحة الجمعيات والمؤسسات الخيرية الصادرة بقرار مجلس الوزراء رقم (107) وتاريخ 25/6/1410هـ (1990م).


أما في المجال الأمني: فإن الأجهزة الأمنية تعد بمثابة خط الدفاع الأول والرئيسي ضد مخاطر الإرهاب التي توجه ضد أمن واستقرار المجتمع السعودي، ومن هذا المنطلق فقد تم إعداد استراتيجية شاملة لمواجهة تلك الظاهرة بكافة محاورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والإعلامية.


وبما أن المشاركة الجماهيرية في مكافحة الإرهاب تبرز في هذا المجال كمحور للاستراتيجية الشاملة، فقد تم حث المجتمع على التعاون مع رجال الأمن لمتابعة قيادات وعناصر وأماكن الفئات الضالة، والتأكيد على أهمية التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية والمسؤولية المتبادلة في تطبيق مفهوم أن الأمن مسؤولية الجميع، بالإضافة إلى توطيد وتعزيز العلاقة بين أجهزة الأمن والمواطن والمقيم، والارتقاء بمعنويات رجال الأمن في خدمة الوطن والثقة بالانتماء إلى مجتمع يقدر جهود الأجهزة الأمنية ويؤازر رجال الأمن في تحقيق الأمان لهذا المجتمع والحفاظ على مقوماته.


وتأسيسا على ما تقدم فإن المواجهة الأمنية للإرهاب نجحت نجاحا باهرا في التصدي الفعال لظاهرة الإرهاب، كان آخرها القبض على عدد (93) شخصا ينتمي غالبيتهم إلى التنظيم الإرهابي "داعش"، وهذه الواقعة تثبت نجاح المملكة في سعيها للقضاء على الإرهاب، كما تثبت قوة وتميز رجال الأمن في ملاحقة العناصر الإرهابية وإفشال مخططاتها الإجرامية القذرة.


حيث إن الاستراتيجية الأمنية ترتكز على مبدأ الحسم الأمني والإجهاض المبكر والفوري لتحركات الإرهابيين، وذلك اعتمادا على أجهزة أمنية متطورة في هذا المجال تعتمد على قواعد بيانات ومعلومات قوية وفق برامج حاسوبية متطورة، بالإضافة إلى دعم الأجهزة الأمنية بالضباط والقوات وتحديث التسليح والتجهيزات الفنية ووسائل الاتصالات الحديثة، وتطوير الموارد البشرية العسكرية وفق أحدث النظم التدريبية لتدعيم القدرات الأمنية على المواجهة السريعة والحاسمة.


ولا يفوتني هنا أيضا أن أذكر أن المملكة قد أصدرت قواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب منذ شهر مايو عام 2003، تتضمن أحكاما تتعلّق بمكافحة تمويل الأنشطة الإرهابية، وتقدم معايير وإجراءات أساسيّة يجب اتخاذها لمنع واكتشاف ومراقبة العمليات والتبليغ عن مثل هذه الأنشطة، وأوجبت على البنوك ومحلات الصرافة أن يجعلوا هذه الأنظمة والأحكام الواردة بها جزءا لا يتجزّأ من أنظمتهم وإجراءاتهم التي تهدف إلى مراقبة واكتشاف ومنع العمليات والتبليغ عن الأنشطة المشتبه بها.


ومن العرض السابق يتضح الدور الرائد للمملكة في مجال مكافحة الإرهاب بسبب خبرتها التراكمية التي باتت أنموذجا يحتذى به، ومحط أنظار المجتمع الدولي للتعرف على هذه التجربة والاستفادة منها في مواجهة ظاهرة الإرهاب.
&